يحدق به؛ وما كان إبراهام بدعاً من العظماء، فكم من أماثل خلوا من قبله لاقوا مثلما يلاقي اليوم من عنت، ودبر لهم مثلما يدبر له، فما وهنوا ولا اصرفوا عن وجهتهم حتى أدركوا الغاية أو أدركهم الموت. . .
وارتاب لنكولن أول الأمر، فما كان يظن أن أحداً تحدثه نفسه بإتيان هذا العمل، ولكن جاءه رسول من عند صديقه سيوارد ينبئه أن قائد الجيش حدثه أن هناك مكيدة تدبر له وأن عليه أن يحذر حتى لا يكون ضحية للغادرين. . . فلما سمع لنكولن هذا لم يعد يرتاب وبات على حذر وإن لم تأخذه خيفة
وكانت لفيلادليفيا وهي المدينة التي كتب الثوار فيها وثيقة الاستقلال وصاحوا صيحة الحرية منزلة عظيمة في نفسه وفي نفس كل أمريكي من أنصار الحرية، وكان أبراهام قد وافق أن يخطب الناس في تلك القاعة التاريخية التي ولدت في ساحتها الحرية، وكأنما توافقت الذكريات لتزيد في جلال الموقف فلقد تصادف أن كان ذلك اليوم هو عيد ميلاد الزعيم وشنجطون؛ ورغب الناس أن يرفع العلم على رأس القاعة الزعيم لنكولن. . . ووافق لنكولن على ذلك مغتبطاً مرحباً كما وافق أن يخطب الناس مساء ذلك اليوم في مدينة هرسبرج وكانت تقع غير بعيد من فيلادليفيا. . .
وخشي أصحاب أبراهام أن يفتك به المجرمون في زحمة الناس في ذلك اليوم المشهود في أي من المدينتين وأشاروا عليه أن يقتصد في الاتصال بالناس فيفوت على الغادرين قصدهم، ولكنه أبى إلا أن يفي بوعده ولو كان في ذلك هلاكه. . .
ورفع أبراهام العلم في فيلادليفيا وكان في ذلك موفقاً، فإنه صعد في ثبات إلى حيث ينتصب العمود الذي يثبت فيه العلم فشد الحبل فانبسط العلم ورف، وخفق الناس واستبشروا وهم ساعتئذ جموع خلفها جموع إلى آخر ما يذهب فيهم البصر. . . وكلهم يحيون الرئيس في حماسة وغبطة
وخطب في القاعة التاريخية فأفصح عن شيء من سياسته على خلاف ما جرى عليه في خطبه السالفة؛ قال: (كثيراً ما سألت نفسي ما ذلك المبدأ أو ما تلك الفكرة التي حفظت الاتحاد هذا الزمن الطويل؛ إنها لم تكن مجرد انفصال المستعمرات عن الأرض الأصلية، ولكنها كانت تلك العاطفة التي منحت الحرية لا لهذه الأمة فحسب، بل للناس جميعاً في كل