ووقف في ترنتن على مقربة من ميادين القتال التي سالت فيها دماء الثورة غداة حرب الاستقلال، فأخذه جلال الموقف وهزته روعة الذكرى فجري لسانه بما اختلج في نفسه قال (إني لأرجو أن تسامحوني إذا ذكرت في هذه المناسبة أني في أيام طفولتي وفي مستهل عهدي بالقراءة قد تناولت كتاباً صغيراً يدعى حياة وشنجطون تأليف ويمز؛ وإني أتذكر كل ما جاء فيه عن ميادين القتال وعن مواقف النضال من أجل الحريات في هذه البلاد، ولكن ما من حادثة تركت في نفسي من أثر مثل ما تركه موقف النضال هنا في ترنتن نيوجرسي). . . وبعد أن أشار إلى بعض الحوادث قال. . . (وإني لأذكر الآن أني فكرت يومئذ ولما أزل غلاماً صغيراً أنه لا بد أن يكون أمراً غير عادي ذلك الذي كافح من أجله هؤلاء الناس؛ وإني لأحس رغبة ملحة قوية أن هذا الذي كافحوا من أجله وشيئاً آخر هو أعظم من الاستقلال القومي: شيئاً ينطوي على وعد يوعد به الناس جميعاً في هذا العالم في كل ما هو آت من العصور. . . أقول أني شديد التطلع أن أرى الوحدة والدستور وحريات الناس بحيث تصبح أبدية وهي مقرونة بتلك الفكرة الأصلية التي من أجلها قام الكفاح. ولسوف أكون جد سعيد إذا أصبحت الآلة المتواضعة في يد القوى العلي وأيدي هؤلاء الذين يكادون أن يكونوا شعبه المصطفى للعمل على أن يدوم ذلك الذي انبعث من أجله ذلكم النضال العظيم)
وكان الكتاب الذي يشير إليه لنكولن في هذه الذكرى هو بعينه ذلك الكتاب الذي أعاره إياه أحد معارفه والذي بللته قطرات المطر فأصابته ببعض العطب، وتركت الصبي الفقير في حال شديدة من الغم حتى لقد سار يحمله إلى صاحبه وهو شديد الحيرة، فلما جاءه عرض عليه أن يعمل عنده بما يساوي ثمنه. . . ذلك هو الكتاب الذي قرأ فيه النجار الغلام حياة وشنجطون العظيم، ولم يكن يدور بخلده أنه سيجلس يوماً حيث كان يجلس وشنجطون ويسدي إلى بني قومه وإلى الإنسانية جميعاً من صنيعه ما لو شهده ذلك البطل الكبير لطمع أن يكون ما تقدم يداه فوق ما قدمت
واستأنف الرئيس لنكولن ومن معه سيرهم إلى العاصمة حتى وصلوا فيلادليفيا؛ وهناك علم أن فريقاً من بني جنسه يأتمرون به ليقتلوه!. . . سمع إبراهام أن أمامه الخطر يوشك أن