صيغة الجزم أيضاً عن ابن عباس موقوفاً عليه:(كل ما شئت والبس ما شئت ما أخطأتك اثنتان سرف أو مخيلة): وقد وصله ابن أبي شيبة في المصنف. نعم استثنت السنة أيضاً ما كان من باب التشبه بالكفار، فقد أخرج الطبراني في الأوسط بسند لا بأس به عن علي كرَّم الله وجهه مرفوعاً:(إياكم ولبوس الرهبان فان من تزيا بهم أو تشبه فليس مني) فاتضح لكم ما استثني من الآية وما بقي فيها على العموم. وأعلم أن التشبه بالكفار في اللباس سواء للبدن أو الرأس أو الرجل فيه نوعان:
النوع الأول أن يَلبس لباساً خاصاً بالرهبان دالا على رتبة من رتب الرهبنة وكان بحيث أن من لبسه يدل حاله على أنه ارتدّ عن الإسلام ودخل في الكفر. هذا هو الذي يترتب عليه الكفر لأنه دليل على تغيير الاعتقاد الديني وتحوله إلى معتقد الرهبان؛ وهذا هو المعنيُّ بحديث عَليٍّ السابق؛ ولذلك قال عليه السلام: فليس منّي. وفي هذا النوع يقول الشيخ خليل المالكي في مختصره: الردة كفر المسلم بصريح أو لفظ يقتضيه أو فعل يتضمنه كإلقاء مصحف بقذر وشد زُنّار قال. بناني في حاشيته: الزنار ثوب ذو خيوط ملونة يشده الكافر في وسطه يتميز به عن المسلم. قال والمراد به ملبوس الكفار الخاص بهم قال ومَحل هذا إن فعل ذلك محبة في ذلك الزيّ وميلاً لأهله؛ وأما إن فعله هزواً ولعباً فهو محرم، إلا أنه لا ينتهي لحد الكفر كما قال ابن مرزوق ا. هـ. ا. فالردة عند المالكية متعلقة بتغيير الاعتقاد الإسلامي بناء على أن الإيمان محله القلب؛ وكذلك الكفر فلا يحكم بالردّة إلا إذا صدر عن المرتد قول يصرح بذلك أو فعل يقتضيه اقتضاء واضحاً كشد الزنار لقوله تعالى:(إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدراً فعليهم غضب من الله) فالآية واضحة الدلالة على أن الكفر والإيمان مناطهما الاعتقاد بالقلب، فكل ما دل على ترك معتقد المسلمين دلالة صريحة فهو كفر كنبذ أحكام الإرث والزواج والطلاق وكل ما علم من الدين بالضرورة، وكل ما لم يصل إلى ذلك فلا. واعلم أن الحكم على المسلم بالردَّة حكم بإخراجه من جماعة المسلمين وحكم بإراقة دمه، ولا أخطر من هذا الأمر في الإسلام الذي يحرص على تنمية عدد المسلمين وليس من شأنه أن يطردهم لأدنى شبهة وهم يذكرون الله ويعبدونه، فان الله يقول:(ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه) الآية ويقول: (إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله) الآية