للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وننبه هنا إلى أن متأخري السادة الحنفية حكموا بالكفر في عدة فروع بأدنى شبهة وخالفوا مبدأ إمامهم المبني على التثبت والأخذ بحديث: إدرأوا الحدود بالشبهات. وتوسع في درء الحد بالشبهة إلى أقصى حد؛ ولهذا أنكر عليهم الإمام ابن الهمام منهم، فكان يترك الفتوى بما رأوه ويفتي بغيره. ولنكتف بهذا القدر تجنباً من الدخول في معمعة مذهبية غير مرغوب فيها

النوع الثاني من التشبه كان خفيفاً لم يصل إلى حد الكفر بحيث لا يدل دلالة واضحة على تغير اعتقاد المسلم كحلق اللحا، ولبس لباس غير زنار، وسدل شعر الرأس. وفي هذا ورد حديث البخاري عن ابن عباس: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب موافقة أهل الكتاب مما لم يؤمر فيه؛ وكان أهل الكتاب يسدلون أشعارهم، وكان المشركون يفرقون، رؤوسهم فسدل النبي صلى الله عليه وسلم ناصيته ثم فرق بعد) يدلنا هذا الحديث على أن الأمر العادي إن وقع السكوت عنه في الشريعة ولم ينزل فيه وحي كان يحب موافقة أهل الكتاب تأليفاً لهم وطمعاً في اجتذابهم إلى الإسلام، أم لأنهم أهل شرع سماوي بخلاف كفار العرب الوثنيين، ثم لما أيس منهم صار لا يوافقهم ففرق شعره. وكان الصحابة بعده مخيرين من يفرق منهم ومن يسدل إذ ليس هذا من قبيل التعبد بدليل قوله فيما لم يؤمر فيه، وعلى هذا فلا نسخ في الحديث إذ لا تعبُّد فيما يظهر، وبعيد كل البعد أن تكون الأحكام الإلهية تبعاً للأحوال السياسية، والوحي ينزل: هذا وليس كل ما فعله الكتابي أو المجوسي يجب علينا مخالفته فيه. كلا. فهذا عمر بن الخطاب أحدث التاريخ في الرسائل الرسمية ودون الدواوين وكتبها بلغات أجنبية ونظم البريد وفعل غير ذلك مما يفعله الروم والفرس ولنا فيه فائدة تعم مصلحتها. وعلى هذا فكل ما لنا فيه فائدة ومصلحة عامة كلباس الجند وإحداث الأنظمة المحكمة وتقريب المواصلات وتعجيل الأخبار كالتليفون والبرق وغير ذلك مما لا يحصى من الأمور الصحية والطبية ونظام الجندية واقتناء آخر طرز من الأسلحة والطائرات الجوية وغير ذلك، فكل ذلك لا معنى للطعن على من أخذ به أو الانتقاد بالتشبه عليه أو نسبته لفعل بدعة دينية. فالتشبه الذي نهينا عنه له حدٌ محدود وقرينة الحال تدل على ذلك؛ وهو كل ما كان راجعاً إلى تغيير الأمور التعبدية أو إذهاب الشعائر القومية التي تفني بذهابها ذاتية الأمة في ذاتية أمم أخرى مما يمس جوهر الإسلام وأبهته ويحط من

<<  <  ج:
ص:  >  >>