ومعشوقين، ولم يبق لي في رؤية مجنون أرب. . . وإنما غدا أربي في رؤية عاقل
قال: هذا هو الذي تريد. . . هذا رجل يتظاهر بالجنون، وهو أعقل العقلاء
قلت: أو يكون هذا؟ أئذا لم أجد في المدرسة والكلية عاقلاً والسوق والنادي أجده في (البيمارستان)؟
قال: نعم، تعال انظر
فأقبلنا نميل إليه. فلما رأى السيارة مقبلةً قال ما لا يفهم، وأشار بيديه وأبدى سيما المجانين، فنظرت إلى ابن عمي وابتسمت، فأشار لي أن أنتظر؛ ونادى الرجل باسمه، فلما عرفه هدأ، وقال له: هذا أنت يا فلان؟
قال: نعم. وهذا الشيخ. . . (وسمّاني)
فنظر إليَّ وابتسم، فظننت أنه قائل لي مقالة كل (عاقل) يلقاني: أين العمة واللحية والشارب؟ كأن الشيخ لا يكون شيخاً إلا بهذا! ولكن (المجنون) لم يقل شيئاً. فقال له ابن عمي:
ألا تعجب منه شيخاً حليق الوجه حاسر الرأس؟
قال: ويحك يا فلان! ألا تعلم أنها إذا اتصلت الأرواح، بطلت الأشباح؟
وأفاض في كلام مثل هذا بلغة صحيحة وإلقاء متزن، فقلت في نفسي هذا من (عقلاء المجانين) الذين ألف في أخبارهم أبو القاسم الحسن بن محمد النيسابوري رحمه الله، ولست آمن أن تدركه الآن جٌنته فيؤذينا، ووقفت حذراً. . . .
فلما انتهى قال له ابن عمي وقد أمتد إلينا الظلام ونحن في ظلال الأشجار
ألا تسير بنا إلى النور؟
فقال لنا وهو يضحك، وما رأيناه إلا ضاحكا:
لولا أننا هنا لقلت لكم (إن نوركم كاف) ولكن مثل هذا (النفاق) لا يقال هنا. . .
فقلت: ولمه؟ أولا ترى لنا نوراً؟
فقال: إن في كل كائن نوراً وجمالا، ولكن العيون المدركات قليل. . . إن الناس جميعاً يؤخذون بجمال القمر، ولكن الشمس لا يؤخذ بجمالها إلا من كان له عين تصبر على نورها. ولذلك كان الشمسيون من الناس (والتعبير له) أقل من القمريين وأندر؛ وهؤلاء هم