للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الكبار من الصوفية، فإذا جازوا مرحلة الشمس ونفذوا منها إلى منطقة السديم استوى عندهم جمال القمر وجمال النجم، واستوت عندهم الظلمة، والنور لأنهم بلغوا مرتبة الفناء في الموجد، فلم يبالوا بعد بالموجودات. . .

وتكلم في مثل هذا أكثر من ساعة كلاماً ما سمعت مثله ولا قرأته، وفسر آيات، وتمثل بأبيات، وذكر نظريات العلماء المحدثين حتى أدهشني والله، وكاد يمضي في كلامه إلى الليل لولا أن قرع الناقوس ليدخلوا فودعناه وقلت له: لقد استفدت منك

فضحك وقال: لا ترفع صوتك فيسمعك أحد

قلت: ولمه؟

قال: ولمه؟ أعاقل يستفيد من مجنون؟

وكان الحارس قد وصل، فلما رآه الشيخ فضل غمرني بعينه وعاد يقول ما لا يفهم، ويشير إشارات المجانين، فدعوت الحارس فسألته:

ما هو جنون هذا الرجل؟

قال: أما ترى؟ أما ترى لحيته وعريه؟

قلت: بلى، فماذا في العرى؟ أليس الرجال جميعاً والنساء على ساحل الإسكندرية وحمامات بيروت على مثل عريه؟ ألا يتكشف (الكشافة) دائماً؟ أما اللحية فقف في السوق وانظر كم ترى من لحية. فلم أمسكتم بهذا وحده دون أولئك؟

قال: هذا يقول بأن كل شيْ هو الله. أما هذا جنون؟ أما هو كفر؟

قلت: من حسن حظ الشيخ محي الدين بن عربي أنه مات قبل افتتاح مستشفى القصير!

قال: أنه يتكلم ساعات فلا يفهم عنه أحد

قلت: كذلك كل الفلاسفة وكذلك أكثر المعلمين. .

قال: ويسكت أحياناً يومين كاملين

قلت: هذا من العقل، هذا. .

فنظر إلي الحارس نظرة فهمت منها أنه يعجب مني كيف لا أدخل المستشفى وأكون من أهله! فأسرعت بالهرب قبل أن يقبض علي بتهمة الجنون. . .

(دوما)

<<  <  ج:
ص:  >  >>