من أجل ذلك مشت السلطة الزمنية في الإسلام بجانب السلطة الروحية في نظام الحكومة على معنى أن نظام الحكومة كان مستهدياً في جميع أدواره بهدى السلطة الروحية، وكانت السلطة الزمنية أساساً من الأسس السماوية التي جاء بها الكتاب لترسم الحدود وتقيم المعالم وتشعر الحاكمين والمحكومين بتبعاتهم كل في حدود عمله، وتقوم على رعاية الأنظمة البشرية في المعاملات المختلفة سواء منها ما كان متعلقاً بأحوالهم الشخصية أو بالمعاملات المتبادلة بينهم القائمة على البيع والشراء وما يلحق بهما حتى في الحكومات التي لم يكن لها لون ديني بالمعنى المفهوم. وكثيراً ما لجأ الملوك والأمراء في عهود سابقة إلى حملة الشريعة وحماة الدين إذا عميت السبل عليهم في المعضلات وحجبتهم الجهالة المطلقة عن الوصول إلى شاكلة الصواب، يتعرفون منهم المنهاج الصالح لشكل الحكومة وترسيخها على أمتن الدعائم حتى تبقى تلك الحكومة بما تستمده من هدى الفرقان محتفظة بهيبتها وجلالها ومحبة الشعب لها، لأن الشعب إذا أستيقن نزاهة الحكم وتوزيع العدالة بين الأفراد بالقسطاس، المستقيم وقتل روح الأثرة، والاستجابة إلى داعية القربى والمصاهرة، والتفرقة بين العمال الموكلة بهم خدمة الجماهير ورعاية مصالحهم في فرض الجعالات وسن الإتاوات وتغليب عوامل التشهي على أي عامل آخر، وسم خصومها بميسم الخيانة العظمى، واختلاق الأكاذيب عليهم، وبث عوامل الشكوك والريب في نفوس الجماعات في أولئك الخصوم وتأليب الأوشاب والدهماء على منافسيهم - اتخذوا من تلك الحكومة مثلاً صالحاً وأحلوها من قلوبهم محل الشغاف، والعكس بالعكس
حمل الإسلام فيما حمل أسمى المبادئ مبدأ الشورى لتكون أساس الحكومة الصالحة ودعامته، تتلاقى عنده سائر الرغبات والأماني، لأن الشورى في أبسط أحكامها خير من رأي الفرد، فهي وليدة آراء مستخلصة من قوة الجماعة لا يراد بها غير إسعاد المجموع وإشعاره بمبدأ العدالة والمساواة حتى يظل آمناً في سربه حصيناً في أغراضه ومراميه، وإن لم تكن الشورى القائمة بيننا الآن في الشرق والغرب هي التي تعنيها مبادئ الإسلام فالشورى التي تعنيها مبادئ الإسلام هي المستخلصة من قوة الجماعة كما قلنا ليس فيها أثارة من تشيع الهوى أو أخذ بنحيزة أو إصغاء إلى ضغن في سائر مرافق الدولة
من أجل ذلك نرى فقهاء القانون الدستوري في حواضر أوربا يقيمون النظريات الصادقة