للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

على فشل الحياة النيابية في الأمم المتحضرة في عصرنا الراهن، وعجز الدستور بأحكامه عن أن يخلع على الناس خير الأشكال يقيمون عليه دعائم حياتهم وأسس وجودهم. وكثيراً ما تحاكم المسلمون في صدر الإسلام إلى الكتاب والسنة فما ضلوا في حياتهم وما حادوا عن الجادة الواضحة قيد أنملة، لأنهم اطرحوا دواعي النزوات واستجابوا دواعي الإخلاص لله في السر والعلانية فمكن لهم في الأرض وخضعت لسلطانهم شعوب وقبائل

قرر الإسلام السلطتين الزمنية والروحية معاً فلا يمكن فصل إحدى السلطتين عن الأخرى لأنهما متلازمتان في وجودهما.

فالسلطة الزمنية ترسم شكل الحكومة ومقاصدها المختلفة، وتؤسس الأنظمة المتنوعة لشتى الأفراد والأسر والجماعات والقبائل والأمم، وتضع أحكام الحرب والسلم وسياسة القضاء والإدارة ونواميس الاجتماع؟ ثم هي تنساب بعد إلى الأحوال الشخصية المتعلقة بذات الإنسان فتنشئ علاقة زوجية صالحة بين الرجل والمرأة وترتب عليها حقوقاً قبل المرأة وحقوقاً قبل الرجل، ثم تتناول أحكام الإرث فتوزع الأنصباء من تركة الميت على ذويها توزيعاً قائماً على أدق أنواع الرعاية وأحكم مراميها، ثم تتعهد الحاكمين بالوصايا الجامعة حتى لا يندوا عن شريعة الحق ولا تصغي قلوبهم إلى شوائب الهوى، ثم تهيب بالمحكومين إلى السمع والطاعة فيما أمر الله، وبهذا التساند بين الهيئتين ينتظم الأمة والحكومة عدل قائم على الخلاص المتبادل وتسودهما روح طيبة في مرافق البلاد وحيويتها

لقد جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلوفه من بعده في يديه بين السلطة الروحية والسلطة الزمنية فأقام بهاتين السلطتين خير حكومة من حكومات الأرض في تاريخ البشرية، وأسس للإنسانية العامة أفضل المناهج في الحكم حتى فاضت القلوب باليقين الراسخ والطمأنينة الشاملة، ولا أدل على ذلك من أقوال الرسول وأعماله وما ينزل به الملك من الآيات منجمة بحسب الوقائع سواء أكان ذلك متعلقاً بأمر من أمور المعاش أم المعاد إذا استثنينا بعض مسائل تقليدية تافهة لا يتصل وجودها بقانون الحكومة أو الاجتماع، ثم درج من بعده خلوفه على قدمه صلى الله عليه وسلم فكانوا نعم الخلف لنعم السلف. وناهيكم بعمر الفاروق الذي كثرت على يديه الفتوح الإسلامية مؤسسة على الكتاب والسنة وهدى الرسول الأعظم، فاستدام بذلك القاموس السماوي أصلح الطرائق في أنواع

<<  <  ج:
ص:  >  >>