الحكم وأهدى السبل في إسعاد الأفراد والجماعات والأمم، ولا يزال الإسلام يذيع في الناس رسالته متعلقة بالسلطة الزمنية إلى يومنا هذا، فهو يعني بنشر هذه السلطة ألا توجد فروق موهونة ذات أثر سيئ في كيان الشعوب ووجودها على معنى أنه يريد التوحيد بين الأمم في الأخلاق والعادات وأن يسودها نوع من المعاملات صالح يوحد بين مرافقها ويجمع بين شتاتها وان اختلفت لغة وإقليما وترتب على ذلك الاختلاف تباين في العادات ضرورة أن تلك الأمم المتخالفة لغة وإقليما لو خلت من تطبيق السلطة الزمنية وهيمنتها على مرافقها لكانت لكل أمة ندحة أن تسن لها تشريعا إسلاميا ينشئ قانون شكل الحكومة وأنواع المعاملات، على حين أن الجميع يدينون بالسلطة الروحية ويؤمنون بحياة المعاد في قرارة نفوسهم.
وهذا من غير شك من شأنه أن يفت في عضد المسلمين وأن يوتر ما بينهم من صلات وأن يجعلهم خاضعين لأحكام قوانين وضعية لا تثبت صلاحيتها لحكم الشعوب إلا بمقدار ما تتوارى عيوبها وأخطاؤها، فإذا دلت التجارب على فساد أحكامها وعقم نتائجها فما أسرع العدول عنها وأن تصير في تراث الماضي البغيض
أما تلك الشريعة السماوية فهي شريعة الخلود والبقاء لأنها جمعت بين حلقات من الزمن دابر وحاضر فوضعت لكل عصر وجيل أحكامه وطرائقه فكانت شريعة الإسلام خير الشرائع وأمثل القوانين
وغني عن البيان بعد هذا التقرير أن الذين يقولون بضرورة فصل السلطتين وبالتالي فصل الدين عن السياسة قد جهلوا حقائق الإسلام أو على الأقل تجاهلوا نظام الحكم فيه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وفي عهد خلوفه من بعده، أولئك الغر الميامين الأطهار الذين حكموا دينهم في الدولة فسادوا لأنهم قضوا بهذه السياسة العالية أوطار الأفراد والجماعات وحققوا لهم كل رغبة صالحة ثم اجتاحوا لوثة الوثنية ومستهجن العادات في عهود الجاهلية
ولعل النمط الذي جرى عليه توزيع الزكاة والصدقات وإقامة الولاة في الدولة ورسم الحدود ووضع الخطط التي ينتهجونها في أمثل حكومة عادلة بواسطة برامج تكشف لهم حقيقة حكم الشعوب الداخلة في الإسلام وأخذهم بالهوادة في موضعها وتيسير الأمور عليهم حين لا يضيق عنهم التيسير ونوع معاملة أولئك الولاة للذمي والحربي والمدى الذي توزع به