والتقاليد التي يرى ناقدها أنها فاسدة ولكن في عرض جميل. . . لا تقديم خواطر تهجم على حق أو تجرح فضيلة. . .
ويا ويل من يقع قلبه فريسة لأدب الأدباء المزورين! إنه لا يتيقظ إلى أنهم متناقضون متهافتون إلا بعد فوات الأوان. . . بعد أن ينطبع ذهنه على قبول الخيال الناقص والكاذب ويقئ الحقائق ولا يهضمها. والأدباء المزورون أهل شطحات، ينسون فيها كل ماضيهم وآرائهم فيناقضون أنفسهم مناقضة فاضحة إلى حد أن يحكموا على أنفسهم أحكاما قاسية مسقطة لعدالتهم الأدبية وهم لا يشعرون
وهم لا يصدرون آرائهم عن وجهة واحدة في الحياة، ولذلك تراهم (في كل واد يهيمون) وليس لهم مذهب ورأي ذو سلطان له مدرسة وتلاميذ يتشيعون له ويعيشون لنشره وشموله ولو أقتصر كل منهم على المتح مما في نفسه من منابع الإلهام وعلى رصد مخلوقات قلبه، ولم يتكلف نظم قول لا يؤمن به ولا يحسه حياً في نفسه، إذاً لظفرت الآداب بكنوز من دفائن القلوب، ولأحس القارئون حين يقصدون إلى فصل أدبي، أنهم قادمون على معرض جميل من معارض الحياة لفنان صادق. . .
فواجبهم أن يستحضروا الجد ويقظة الدرس والتحصيل لما في هذا المعرض من آراء وأرصاد ورؤى وفكاهات وعضات قنصها ذلك الفنان الصادق من خواطره وإلهامه ليقدمها للناس على أنها نتيجة التقائه بالحياة. . .
ومجتمع الرأي: أنني لا أومن بالأدب ولا أعترف بحرمة البيان - ذلك الجانب المقدس في الإنسان - على أنه تسلية وتزجية فراغ تقصده النفس في غير إجلال، وتلعب فيه الأيدي بالأقلام لعب الأرجل بالكرة. . . وإنما أُومن به على أنه - في مجموعه - معرض للآراء المصححة لأغلاط الحياة، وللمشاعر النبيلة من حياة القلوب، وللموسيقى اللفظية التي تساعد على خلق جو روحي أثناء القراءة
وأختتم هذا الحديث بإيراد أقصوصة تمثيلية قرأتها في بعض الآثار اليهودية، وهي تمثل حرمة البيان وجنابه العظيم:
قيل أنه لما فرغ الله من خلق الدنيا قال لأحد الملائكة:
أنظر هل ترى في السماء والأرض والماء والهواء نقصاً؟ فنظر ثم عاد فقال: لا ينقصها