المسيب. وقد افتتن بها كثير من القراء، حتى كان منها أن اهتدى إلى الإسلام أستاذ مسيحي من أساتذة التاريخ في بلاد الجزائر، فكتب إلى الرافعي رسالة يعلن فيها إليه إسلامه، ويسأله الوسيلة إلى دراسة هذا الدين والتفقه فيه. ولم أعثر بعد على هذه الرسالة بين ما خلّف الرافعي من رسائل أصدقائه إليه
ومن اعتداد الرافعي بهذه القصة وبما بلغ فيها من التوفيق، جعلها فاتحة كتابه (وحي القلم)
ولم يكفه أسبوع للاستجمام والخلاص مما يعاني من وجع الضرس وتعب الأعصاب، فاستراح أسبوعاً آخر وبعث إلى الرسالة بالجزء الثالث من (كلمة وكليمة)
ثم وقعت حادثة اهتزت لها نفس الرافعي اهتزازاً عنيفاً ونقلته من حال إلى حال. . .
جلست يوماً نتحدث من أحاديثنا، فقال:(. . . إن صديقنا الأستاذ م. لم يكتب لنا من زمان. . ليت شعري ما منعه عنا. إن بي قلقاً عليه وفي نفسي أن أراه أو أعرف من خبره!)
وفي صبيحة اليوم التالي طالعتنا الأهرام بخبر غامض:(. . أن شاباً من الأدباء، هو ابن شيخ من شيوخ الأزهر، قد حاول الانتحار بقطع شريان في يده!)
قال:(صديقنا الأستاذ. م، لقد غلبه شيطانه على دينه آخرة أمره. غفر الله له!)
فجزعتُ وطارت نفسي، وقلت وأكاد أغصّ بريقي:(م؟ إنك لتتوهم، وإنك مما تفكر في شأنه ليُخَيل إليك. إن لصديقنا لديناً، وإن فيه لتحرجاً وخشية؛ وما أراه في أي أحواله يقدم على هذه الجريمة!)
ولكن الرافعي لم يلتفت إلى ما أقول، وأخذ يحوقل ويسترجع ويستعيذ بالله من غلبة الهوى وفتنة الشيطان. ثم مد يده إلى مكتبه فكتب رسالة إلى م يسأل عن حاله وخبره ويرجو له العافية في دينه ودنياه؛ ثم يطلب إليه أن يصف له ما كان منه وما حمله عليه وما آل إليه أمره؛ ولم ينس مع كل أولئك ومع ما تفيض به نفسه من الحزن والألم أن يرجوه (الدقة في وصف المرحلة التي كان فيها بين الحياة الموت؛ فأنها المرحلة التي لا يحسن أن يصفها إلا من أحسّ بها. . .)
وصديقنا الأستاذ. م. أديب واسع المعرفة، له دين ومروءة، وفيه تحرج وخشية؛ وقد نشأ