وانتصار الحق على الباطل - أمر تابعه أن يعلم الباب ليسهل الاهتداء إلى موضعه. وما أن أشرقت الغزالة من خدرها حتى بعث رسوله يستقصي خبرهما ويرى هل الصبية بكر أم متزوجة؟ فلما علم أنها بكر جمع أولاده بين يديه وقال لهم: هل فيكم من يحتاج إلى زوجة رشيدة بصيرة بأمور دينها، شديدة المراقبة لله، تحذر الآخرة وترجو رحمة ربها؟ ويميناً لو كان بأبيكم حركة إلى النساء ما سبقني منكم أحد إليها. فاعتذر ولداه عبد الله وعبد الرحمن لأنهما متزوجان، فتقدم ولده عاصم الصغير وقال: هأنذا يا أبتاه لا زوجة لي، زوِّجني ممن اخترتها. ثم بني بها. فقال الناس: تزوج عاصم بن عمر أمير المؤمنين من فتاة راعية فقيرة تبيع اللبن! ولكن عمر لم يأبه لما به أرجفوا. وصدقه الله فيما نوى، فقد أنجبت للعالم الإسلامي عمر الثاني وهي الصورة المشبهة معنى وروحاً للفاروق - نعم ولدت زوج عاصم بنتاً وولدت البنت الخليفة عمر بن عبد العزيز أو عمر بن الخطاب الثاني. وكذلك صدقت فراسة الفاروق في صلاح هذه الفتاة وتقواها، ولم يطش ظنه فيها حينما رفعها من سكنى الكوخ إلى رفيع القصور ورضى على نفسه أن يقال: صاهر أمير المؤمنين فتاة راعية، ولكن عمر لا يأبه لكلام الناس ولا يكترث للأنساب والألقاب فليس عنده من نسب إلا نسب الإسلام، وليس له من الجاه إلا التقوى
ولقد حفظ التاريخ لعمر حادثة مشهورة رفعت قدره وأعلت ذكره، وخلدت له المثل الأعلى في النزاهة وشرف النفس وإعلاء الحق بالتضحية بأعز ما يملك في سبيل الدين. ومن أجل إحيائه تقديس شعائره - أنه قدم ابنه فلذة كبده وأحب الناس إليه ضحية على مذبح الدين وفداه لسنة الرسول الكريم
سمع انه شرب خمراً في مصر ولم يقم عليه ابن العاص الحد على ملأ من الناس ويحلق رأسه كما يجب وكما كان مفروضاً على كل مسلم، فبعث إليه يقرعه ويأمره أن يرسل ابنه وشيكاً على قتب، ففعل عمرو. وقد وصل عبد الرحمن وهو في أشد حالات الإعياء والنصب وهو يصيح:
لقد أقيم عليّ الحد في مصر يا أبت فلا تقتلني بإقامته مرة ثانية. لكن غيرة عمر وشدته في الحق على عامة المسلمين لم تكن تعرف المداجاة في زوج أو ولد، وهو الذي كان يسوي ذاته في ميزانه بأقل الناس، فلا غرو أن يقيم الحد على ولده ثم يشاهده وهو يلفظ النفس