فرداً. ولكنه يرى شاعرنا وقد نفض عن كاهله كثيراً من صوفية الشباب وحذره وتوجسه، غير أنه لا يزال يستمتع في دائرة محدودة، وبذخائر معدودة عند حبيبه:
يا أشره الناس حسنا ... إلى عبيد وصحب
وأنعم الناس بالا ... بناظر مشرئب
يا ليت لي ألف قلب ... تغنيك عن كل قلب
وليت لي ألف عين ... تراك من كل صوب
وليت لي ألف وسم ... وليت لي ألف عيب
لعل حسنك يغَني ... عن ناظر أو محب
ولا تبيت معنىَّ ... بمن تروع وتسبي
ثم ينجلي الأمر عن حبيب مواف ومحب متفتح، قد أخذ بعد المتعة والاكتفاء في ترف الطلاقة والفلسفة:
إيهاً أبا الأنهار فوقك شادن ... يشفي الغليل وأنت لست بشاف
فرعون لم يحمل عليك نظيره ... والبحر لم يحرزه في الأصداف
أوفى علينا من سماء جماله ... فاحلم بطلعته وماؤك غاف
واحفظ لديك وديعة من صفونا ... مأنوسة الذكرات والأطياف
سيطول أيام الصدود سؤالنا ... لك عن مواقع هذه الألطاف
ونود لو تغنى الودادة آسفا ... رجعى الزمان ولا رجوع لعاف
إلى أن يقول في يقظة طريفة وتأمل واع:
إني سعدت بقدر ما استرجعت لي ... يا نيل من حقب ومن أسلاف
دهر قد انبسطت عليه ساعة ... فاستأنفته أحسن استئناف
وصلت حديث زماننا بقديمه ... وصل الصحيفة نائي الأطراف
وبدت لنا صور العصور كأنها ... رسم على صفحات مائك غاف
ومناظر القمراء أشبه بالذي ... أحييت من ذِكرٍ مضين ضعاف
فالذكر والنظر العيان كلاهما ... حلم بها متشابه الأفواف
وتتبين في نهاية هذا الحب نضوج الشاعر، وانتباهه إلى خطرات الأيام والصروف