والأقدار على ضوء حبه، وتأمله في الكون والطبيعة وإجراء ذلك كله في غزله:
أيها المعطى غدا عن سعة ... أعط إذا أنت مليء بالعطاء
إنما اليوم لدينا كغد ... وغد يا صاحبي اليوم هباء
آه لو يبقى على الدهر الصبا ... آه لو يرأف بالحب الفناء
فرصة فيها جمال وصبا ... ثم تمضي فإذا الكل سواء
وإذا المعشوق في العين كمن ... تتخطاه عيون الرقباء
كاختلاف اللون في الصبح لنا ... وتساوي بعدُ قبح ورواء
نحن في صبح وقد لا نلتقي ... ليت الليل ابتداء وانتهاء
ثم قطعة بعنوان: (ودع جمالك) اقتطفت بعضها عند الحديث على خاصة اليقظة والوعي الفني، واقتطف في هذا المجال بعضاً آخر، وإن كان يخيل لي أن المقصود بها هو الحبيب الأول ولكنها أقرب شبهاً بما قيل في فترة الحب الثاني، لما فيها من تأمل وعمق في الإحساس:
أمودعاً حسن الأحبة إنني ... ودعت قلب الهائم المغرور
ميتان في جدث نزورهما معاً ... وا وحشتا من زائر ومزور
يهنيك أنك لا تزال مقيدي ... بك حين لا شوق إليك مثيري
لم أبك وجهك إذ بكيت وإنما ... أرثي خرائب عالم مدثور
فاعجب لمن يبكى فجيعة سرمد ... بدموع مبتور الحياة حسير
وهي إحدى القصائد الطريفة التي تتجلى فيها (خصوصية) العقاد
ومتى بلغنا الجزء الرابع من الديوان التقينا هناك بشخصيتين أقرب ما تكونان إلى شخصيتي (سارة وهند) اللتين أسلفنا عنهما الحديث، وعلة ذلك مفهومة، وقد أوضحتها عند الحديث على (سارة) والتقينا بالشاعر في قمة النضوج النفسي والفني، وقد وضحت أمامه المعالم، وانتهت به التجارب إلى فلسفة كاملة في المرأة والحب والحياة، واكتملت به جميع القوى اللازمة للإحساس والتعبير، وعرف غاية الطبيعة من الحب، وغاية كلا الجنسين، فلم يبق أمامه إلا أن يعتصر من كل حب رحيقه، ويرتشف من كل كأس ثمالتها في طلاقة وبراعة وصراحة