عن مؤلفي هذين الكتابين وهما على ما يعلم الناس من أعلام فلاسفة الغرب وفحول شعرائهم. ونحن لا نرى حاجة إلى أن نلجأ للعبارة نصوغها دفاعاً عنهما فالكتابان بين أيدينا ووقائعهما في ذاكرة الكثيرين منا، ولم تستطع أن تلمح الأثر الذي من أجله صرف النظر عن هذه الكتب
كنا وكان غيرنا في سنِّ الصبا يوم صدر (رفائيل)، وأذكر جيداً أن هذا الكتاب ما كان يبقى في يد القارئ أكثر من يومين اثنين لقلة النسخ وكثرة الطلاب المتلهفين على قراءته.
ولو لم يكن رفائيل كتابا فيه عاطفة نبيلة وشعور حي لكفى أن يكون في لغتنا قطعة فنية. وأشهد أن لأسلوب الترجمة الفنية التي ظهر بها هذا الكتاب هذا أكبر الفضل في تحسين أسلوبنا الإنشائي يوم كنا نجيل البصر في الكتب على الرفوف فلا نرى غير ركام من ألفاظ وعبارات يمجها الذوق ولا يلازمها الحسن أو شبهه.
وإلى القارئ آلام فرتر! فهل كان (جوت) الفيلسوف مخادعاً يوم قدَّم كتابه إلى العالم وقال في مقدمته (إنك لن تستطيع وأنت تقرأه أن تحبس نفسك عن الإعجاب بفكره وقوة حسِّه، ولا قلبك عن الولوع بخلقه وشرف نفسه، ولا عينك عن البكاء لمثار جده وبؤسه!)
اللهم إنا لم نجد في الكتاب غير ما قدم المؤلف به كتابه، ففيه الشرف الصميم وفيه الخلق الكريم وفيه الإخلاص والإيثار والصبر والجلد.
وما أرى أن الدكتور طه حسين كان مدفوعاً للثناء يوم قال في مقدمة الكتاب (لقد وفق صديقنا الزيات حين نقل إلى اللغة العربية آلام فرتر للشاعر الفيلسوف (جوت). وفق إلى حسن الاختيار فما كان لشعب يُجل نفسه ويريد أن يعد بين الأمم الحية أن يجهل شاعراً فيلسوفاً كجوت قد أثر نبوغه الفني والفلسفي في الحياة العلمية والنفسية للعالم الحديث أشد تأثير. وما كان لهذا الشعب أن يجهل كتاباً كآلام فرتر قد عرفه الناس جميعاً في أوربا فأحبوه وكلفوا به، حتى أنك لا ترى فتى ولا فتاة في السادسة عشر من العمر إلا قرأه وقرأه وحاول أن يتفهم معانيه ويتأسى بما فيه).
لا نظن الدكتور طه حسين منع هذا الكتاب عن أولاده أو نصح لهم بالحيطة في قراءته ولا نشك في أن رجال المعارف بلا استثناء يزينون مكتباتهم بهذا الكتاب العبقري الخالد ويسرهم أن يروه في أيديهم بنيهم وبناتهم