مقابل بعض الأعمال التي يقومون بها في المساجد الأخرى والقرويين نفسها
وكان للطلبة قبل هذا الابَّان صولة كبيرة بحيث أن السلطة لم تكن تتدخل في شؤونهم وإنما يرجعون في فصل خصوماتهم إلى مقدميهم وإلى الأساتذة. ومما يدل على مزيد الاعتبار الذي كان لهم سواء عند الشعب أو الحكومة، تلك النزهة الربيعية التي كانوا يقيمونها كل سنة على ضفاف وادي الجواهر خارج فاس ويشارك فيها جميع طبقات الشعب والحكومة نفسها فيرسل السلطان ممثله، ويهدي السلطان إلى الطلبة هدية جميلة في مهرجان حافل، بينما يقدم الطلبة على لسان سلطانهم طلبات مهمة إلى السلطان، وقد يكون فيها العفو عن مجرم أو الرضا عن قبيل ما، أو تحريرهم من مغرم ونحوه إلى غير ذلك، فتنفذ الطلبات بسرعة ويرجع الطلبة مفعمين بالسرور والزهو والحبور. وهذه النزهة لا زالت تقام حتى اليوم لكن لم يبق لها الاعتبار السابق.
وإذا نظرنا إلى تاريخ العلوم في القرويين نجد أنها اجتازت بثلاث مراحل مهمة:
الأولى: عند قيام الدعوة الموحدية في منتصف القرن السادس حيث انتصر مذهب الأشعرية في الاعتقاد على مذهب السلف الذي كان عليه أهل المغرب منذ البدء، فدخل علم الكلام على طريقة الأشعري بما يستلزمه من نظريات الفلسفة ومقدماتها إلى القرويين وتوطد أمره فيها منذ ذلك العهد إلى يوم الناس هذا
والثانية: عندما أعلن يعقوب المنصور ثالث خلفاء الموحدين الحرب على علم الفروع وعمل على نشر السنة بالترغيب والترهيب وأحرق كتب الفقه من المدونة والتهذيب والواضحة وغيرها، فانصرف الناس إلى علوم الحديث والتفسير وإحياء ما اندثر من أصولهما وكان ذلك فاتحة عهد جديد في الدراسات الإسلامية بالقرويين
والثالثة: عندما أصدر السلطان سيدي محمد بن عبد الله العلوي منشوره الإصلاحي الهام إلى الشيخ التاودي بن سودة، وكان رأى ما آلت إليه الحركة العلمية في القرويين من الفتور والاضمحلال فساءه ذلك المآل وعمل على بعثها وتجديدها بما أثر في حياتها المستقبلية بعد ذلك تأثيراً بليغاً
هذا مجمل نظام القرويين والحالة العامة التي كانت عليها إلى انقضاء الثلث الأول من القرن الرابع عشر الحاضر. وبعد ذلك في عام ١٢٣٢هـ ـ دخلت الكلية في طور الإصلاح