ويصلهم بكل ما ملكت يداه حتى وصفه الناس بالتبذير هذا إلى أن توبة كان أول قاض وضع يده على الأحباس (١١٨ هـ) حفظاً لها من التَّوى والثورات وجعل لها ديواناً كبيراً
كذلك كان القاضي غوث بن سلمان الحضري (١٣٥ - ١٤٠هـ) حسن الأحدوثة وقد عمل على تطهير القضاء من العيوب التي كانت متفشية فيه وأخصها شهادة الزور. ولقد عالج هذا العيب فكان يسأل عن الشهود سراً. فإذا تأكد من استقامتهم وحسن شهادتهم قبل شهادتهم. وقد عرف غوث بالنزاهة والاستقامة، وكان كما قال الكندي (أعلم الناس بمعاني القضاء وسياسة) وأشتهر بالعدل والاعتدال في أحكامه على الرغم من عدم تضلعه في الفقه الإسلامي. يدلّك على ذلك ما كان من كثرة الخصوم على داره بعد وفاة خلفه. وقد بلغ من عدل غوث هذا أنه جعل الخليفة المهدي العباسي وامرأة شكته إليه على قدم المساواة في الحكم. ولما وكّل الخليفة عنه رجلاً، ساوى بين هذا الرجل وبين الخصم في مجلس القضاء
كذلك كان أبو خزيمة إبراهيم بن يزيد (١٤٤ - ١٥٣هـ) فقيهاً متضلعاً في علم الشريعة. ولقد بلغ من نزاهته أنه كان لا يأخذ عطاءه عن اليوم الذي لم يعمل فيه للقضاء شيئاً. وربما يعجب القارئ لما كان عليه هؤلاء القوم من النزاهة والورع في هذا الوقت، ولقد كان يقضي هذا القاضي يومه بعيدا عن مجلس الحكم إذا رأى التخلف لغسل ثيابه أو لحضور جنازة أو نحو ذلك حتى عبر عن اعتقاده بقوله (إنما أنا عامل للمسلمين، فإذا اشتغلت بشيء غير عملهم فلا يحل لي أخذ مالهم)
ولعل القارئ يعجب كيف يتخلف ذلك القاضي العظيم، وهل كان يوجد في ذلك الوقت من يكفيه مؤونة غسل هذه الثياب؟
ولكن أخلاق القضاة في ذلك الوقت كانت أخلاقا إسلامية متواضعة، وكانوا يقتدون بالرسول صلى الله عليه وسلم في تواضعه وتنزهه عن الكبرياء، فلقد أَثِرَ أنه كان يخصف نعله ويرقع ثوبه ويقضي كثيرا في حاجاته بنفسه؛ وهذا العمل في حد ذاته رياضة محبوبة ينزع إليها كثير من العلماء، وهو نوع من الديمقراطية لإرضاء الفقير
وكان أبو عبد الله بن لهيعة (١٥٥ - ١٦٣هـ) أول قاض ولي من قبل خليفة في العصر العباسي، كما كان أول قاض حضر في إثبات رؤية الهلال. ولقد أتى المفضل بن فضالة (١٦٨ - ١٦٩، ١٧٤ - ١٧٧هـ) بكثير من ضروب الإصلاح التي أدخلها على نظام