القضاء. وكان كذلك أول من عنى بالسجلات وجعلها تامة وافية، فدوّن فيها السَّحايا والوصايا والديون وأول من أتخذ (صاحب المسائل) ومهمته الوقوف على حقيقة الشهود.
ويظهر أن هذا الإصلاح الأخير إنما كان ظاهرياً فقط، فقد قيل أن هذا الموظف كان يرتشي من بعض الناس ليقرر عدالتهم لدى القاضي. على أن المفضّل فطن إلى ضرر الاستعانة بهذا الموظف، وأضطر أمام الأمر الواقع فعين عشرة رجال للشهادة، ولكن هذا العمل لم يرق في نظر الجمهور لاتخاذ الشهود بهذه القلة، ولأنه عمل جديد لم يسبق إليه أحد من القضاة، فقال رجل يدعى اسحق بن معاذ يقبح رأي القاضي:
سننْتَ لنا الجوْرَ في حكمنِا ... وصّيرت قوماًُ لصوصاً عُدولا
ولم يسمع الناسُ فيما مضى ... بأن العدول عديداً قليلا
وقد نظم لهيعه بن عيسى الأحباس وكانت في أيامه على ما قال هو لأحد أصحابه (سألت الله أن يبلغني الحكم فيها فلم أترك شيئاً منها حتى حكمت فيه وجدّدت الشهادة به) ولا غرو فقد جمع الأموال التي من الأحباس وخصص منها نصيباً لأهل مصر كما أدخل فيها المطوعة الذين كانوا يعمرون المواخير وأجرى عليهم العطاء من الأحباس فكان ذلك أول ما فُرضت فروض القضاة فسنّ الناس هذه السنة بعد لهيعه وسميت (فروض لهيعة) ثم سميت بعد ذلك فروض القاضي وفي ذلك يقول فراس المرادي
لعمري لقد سارت فروض لهيعة ... إلى بلد قد كان يهلك صاحُبهْ
إلى بلد تُقرَى به واليوم والصدى ... تعاوره الروم الطغام تحارُبهْ
رشيد وإضنا والبرلّس كلها ... ودمياط والأشتوم تقوى تغالبه
لهيع: لقد حزت المكارم والثنا ... ومن عند ربي فضله ومواهبه
فقد عمَّرت تلك الثغور بسنة ... تعد إذا عدت هناك مناقبه
على أن لهيعه قد أغضب أهل مصر لما كان من اتخاذه ثلاثين رجلاً من الشهود جعلهم بطانة له، فقال أبو شيب مولى نجيب في صحابه لهيعة شعراً ننقل بعضه لأنه يبين كيف كان يعقد مجلس الحكم في هذا العصر، وأن كنا نرى في هذا الوصف مبالغة قوامها التشهير بهذا القاضي وصحابته: