هذا حال نظام القضاء في مصر إبان هذا العصر، غير أنه للأسف لم يكن خالياً من عيوب ونقائص جعلته متمشياً في جملته مع تلك الحال السيئة التي سادت البلاد في هذا الوقت. نعم! قد عرف بعض القضاء بسوء السيرة فأساءوا إلى سمعتهم وسمعة كتابهم بما أتوه من أعمال الرشوة؛ على أنه يلوح لنا أن الخلفاء كانوا لهؤلاء وأمثالهم بالمرصاد، فقد ذكر الكندي أن هشام بن عبد الملك الأموي بلغه أن يحيى بن ميمون الحضرمي (١٠٥ - ١١٤هـ) لم ينصف يتيما احتكم إليه بعد بلوغه، وحوّل قضيته إلى عريف قومه، وكان اليتيم وقتئذ في حِجره، ثم حبسه حين أتصل به أنه أخذ يشنع عليه ويرميه بعدم إنصافه، وعلم الخليفة بهذا فعظم ذلك عليه وصرفه، وكتب إلى الوليد بن رفاعة عامله على مصر يقول:(أصرف يحيى عما يتولاه من القضاء مذموماً مدحوراً، وتخير لقضاء جندك رجلاً عفيفاً ورعاً تقياً سليما من العيوب لا تأخذه في الله لومة لائم)