للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

متقاربة فيما بينها فان الخطباء والسفسطائيين يختلط فيهم الحابل بالنابل على نفس الأرض؛ وحول نفس الموضوعات؛ ولا يعرفون ماذا عسى أن تكون وظيفتهم الحق؛ كما لا يقل عنهم جهلا بهذه الوظيفة. . .، والحق أن النفس إذا كانت لا تحكم الجسد، وكان هو المتصرف في أمر نفسه بحيث لا تختبر هي الأشياء بذاتها ولا تفرق بين الطهي والطب، وكان هو الذي يحكم وحده تبعا لما يحصل عليه من لذات، أقول: الحق أن لو كان الأمر كذلك لرأينا في الغالب تلك (الفوضى) التي تعرفها يا عزيزي بولوس، والتي ذكرها (أناجساجور) في قوله (كان حابل الأشياء يختلط بنابلها!)، ولَكُنِّا لا نستطيع أن نفرق بين ما يختص بالطب، وما يختص بالصحة أو الطهي!!. .

فها قد سمعت ما أعتقده في البيان وعرفت أني أعتبره للنفس كالطهي للجسم!؛؛ وقد يكون من التناقض أن أحرم عليك الأقوال المسهبة وأضطرك مع ذلك إلى الإنصات إليّ هكذا طويلا؛ ولكني جدير في الواقع بالعذر؛ لأني عندما كنت أتكلم بإيجاز كنت ألاحظ أنك لا تفهمني ولا تستطيع أن تخرج بشيء من أقوالي؛ فوجب لذلك أن أقدم لك الشروح الكافية؛ وإذا رأيتُ بدوري غموضا في إجابتك فتستطيع أن تبسطها مثلي. أما إذا فهمتها فاتركني أقنعُ بها لأن من حقي. ويسرني الآن أن أسمع ما في مقدورك أن تذكره عن حديثي.!

ب - وماذا قلت؟ أتدعي أن البيان مجرد تملق ورياء؟

ط - لقد قلت إنه قسم من الملق فحسب!. أفيحتاج شبابك يا بولوس إلي ذاكرة؟

وماذا يكون شأنك غدا إذا ما تقدمت بك السن؟

ب - أتعتقد أن الخطباء المجيدين يعدون في المدن كالمتملقين وأنهم لذلك أقل احتراما؟؟

ط - أذلك سؤال توجهه إليّ أم هو حديث ستشرع فيه؟

ب - إنه سؤال

ط - حسن. فأنا ممن يعتقدون أنهم غير محترمين على الإطلاق. . .!

ب - وكيف يكونون كذلك وهم أقوياء وجِدَّ أقوياء في الدول؟

ط - ذلك إذا كنت تعد (القوة) خيراً لمن يمتلكها!

ب - أني لأعدها كذلك!

ط - حسن. ولكني أرى أن الخطباء أضعف المواطنين قوة وبأساً!

<<  <  ج:
ص:  >  >>