راح ابراهام يستقبل الحياة ويمشي في مناكبها، وكأن الظروف كلها عدوه؛ فما زال يغالب الظروف وتغالبه، ويعركها وتعركه، حتى وصل إلى مركز الرياسة في قومه، دون أن يستمد العون مرة من أحد؛ أو تكون له وسيلة من جاه أو مال؛ أو حظوة عند ذي قوة، أو غير هذا وذاك مما يبتغي به الناس الوسائل إلى ما يطمحون إليه من غايات. . .
ولما أن بلغ هذا المركز كانت البلاد كما أسلفنا تتوثب فيها الفتنة ويتحفز الشر؛ فكانت الظروف يومئذ كأسوأ ما تكون الظروف؛ ولكنه على الرغم من ذلك سار إلى غايته غير خائف ولا وان ولا منصرف عن وجهته إلى وجهة غيرها حتى عقد له النصر وتم له أداء رسالته. . .
وكيف لعمري تخلق الظروف والعظماء؟ وكيف يسمى عظيما ذلك الذي تخدمه الظروف فلا يكون له من فضل إلا ما يجيء عن طريق المصادفة؟ ألا إن العظيم الحق إنما هو الذي تخاصمه الظروف فينجح على الرغم ما تكيد له الظروف؛ وتتجهم له الأيام فيقدم على العظائم على الرغم من تجهم الأيام، وتعترضه الصعاب الشداد فلا تثنى له عزمه أشد الصعاب. بذلك تكون الظروف هي التي تخلق العظماء؛ فيكون الرجل الذي يظهر عليها ويظفر على الرغم منها هو العظيم، ويكون في ذلك كالدر تطهر النار جوهره
لبث ابراهام في الفندق ينتظر حتى يتخلى له بيوكانون الشيخ عن قيادة السفينة؛ وكان ابراهام يستمع إلى دوي العاصفة يزداد يوماً بعد يوم فيتلفت فلا يرى حوله غير سيوارد؛ ولكن سيوارد وصاحبه لا يلبث أن يدب بينهما خلاف شديد؛ فلقد كبر على سيوارد ألا يشاوره ابراهام في الخطبة التي أعدها ليوم الاحتفال وكان قد كتبها قبل أن يسافر من سبرنجفيلد. . .
وعلم ابراهام بالأمر فألقى بالخطبة بين يدي صاحبه؛ فاقترح عليه أن يغيَّر فيها أشياء وأن يضيف إليها أشياء، فلم ير ابراهام رأيه؛ على أنه قبل أن يضيف إلى الخطبة خاتمة كتبها سيوارد وتناولها ابراهام بالتغيير ليلتئم أسلوبها مع أسلوب الخطبة؛ وظن ابراهام أنه أرضى بذلك صديقه. . . ولكنه فوجئ في اليوم السابق ليوم الاحتفال بخطاب من عند صاحبه ينبئه فيه أنه يتحلل من وعده الذي سبق أن قطعه على نفسه بالاشتراك معه في