شعر الشعراء بين القديم ومحدث، ولا سيما عصر بني العباس. وما أجدر ذلك على اجتماعه أن يكون برهاناً قائماً على أن جمهور الأمة العربية كان يجري على إبدال الهاء جيماً، وأن اللفظ قد ذاع على هذه الصورة أول ما ذاع. فتلقفته الألسن بعد ذلك عصراً في أثر عصر، وفي التصحيح اللغوي أثراً مهجوراً لا يقتفيه أحد في صحراء المعجمات!
والطائفة من هذه الحلواء: فالوذجة، كما قال السيرافي، وهذا قول يَعُدَّ كلمة الفالوذج في أسماء الأجناس التي يُفرق بينها وبين وأحدها بالتاء، كتمر وتمرة، وبطيخ وبطيخة. وهي قياس في المخلوقات، سماع في المصنوعات، فما يجئ من هذه مُشَبَّه بما جاء من تلك
ولو أريد جمع الفالوذج جميعاً صناعياً على ما ينقاس في مثله، لكان أقرب شيء متناوَلاً جمع الألف والتاء، كما هو مفهوم قول سيبويه، وصريح رأي أبن عصفور. فيكون: الفالوذجات. ولم يقع لي هذا الجمع فيما قرأت. بيد أن الزمخشري أثبت جمع الفالوذ على فواليذ، في سجعة من أسجاعه الرقاق. ولست أحُق: أذلك تطبيق على القواعد وصناعة، أم نقل لمأثور، أم تقييد لسماع؟. لم ينته إليّ من علم ذلك إلا أن الجمع صحيح على أية خطة!
وقد ذكر أبو علي الفارسي أن الكلمة الفارسية ترجمها: الحافظ للدماغ؛ ويبدو أن هذا التفسير كان متعارفاً للخاصة من العرب حين حلِيَت موائدهم بالفالوذج وحلَت. والدلالة على ذلك فيما حكى عن الخليفة الأموي: سليمان بن عبد الملك، فقد كان أعرابي على مائدته يسرع في الفالوذج. فمازحه سليمان بقوله: أأزيدك منه يا أعرابي، فانهم يذكرون أنه يزيد في الدماغ؟ فقال الأعرابي: كذبوك يا أمير المؤمنين، لو كان كذلك لكان رأسك مثل رأس البغل!
فلم يَنبس سليمان، واحتملها منه، ولم يحتملها له
- ٢ -
وكلمة الفالوذج تدل على حلواء ليست من أطعمة العرب، وإنما هي من جملة ما اجتلبوه من موائد الفرس في مستهل الحضارة، قبيل فجر الإسلام. وقد حكى أن عبد الله بن جدعان التميمي، وهوالملقب بحاسي الذهب، لأنه كان يشرب في إناء ذهبي، وفد على كسرى مرة، وأكل عنده الفالوذج، فتعجب منه، وسأل عن حقيقته، فلما أجيب بصفته، ابتاع من بين الفرس غلاماً يحسنُ صنعه، ورجع به إلى مكه، ثم سَمًت به أرْيحِيَّته إلى أن يطعم الناس