عامةً جديد هذه الحلواء. فبسط الموائد بالأبطح إلى باب المسجد، ثم نادى: من أراد أن يأكل الفالوذج فليحضر، فاستجاب له الخلق من كل فج، وكان ممن حضر أمية بن أبي الصلت
فقال يمدحه من قصيدة:
لكل قبيلة هاد ورأس ... وأنت الرأس تقدم كل هادِ
عماد الخيف قد علمت معدَّ ... وإن البيت يرفع بالعماد
له داع بمكه مُشْمَعِلٌ ... وآخر فوق دراته ينادي
إلى ردح الشَّنرى ملاء ... لباب البريُلْبَكُ بالشهادِ
ومالي لا أحييه وعندي ... مواهب يطَّلعن من النجاد؟.
ولما حفلت موائد العِلْية والسراة من العرب المتحضرين بالفالوذج، طوفت في شأنه الأقاويل، فتهيبه ذوو الورع، إذ كان المسلمون حديثي عهد بالحنيفية، يتعففون عن كل ما تطالعهم به الأمم الدخيلة في مختلف أسباب الحياة، وبخاصة المتع واللذائذ، قانعين من شئون اجتماعهم بما أشرقت عليه شمس الإسلام، وما رأي النبي صلوات الله عليه الناس يأكلونه فلم ينههم عنه. فإنه ليحكى أن الحسن البصري - إمام الفقه والفتوى - سمع رجلاً يعيب الفالوذج، فذكر له الحسن أخلاطه التي يبني عليها، وقال: ما عاب هذا مسلم!. . . وعلم الحسن كذلك أن رجلاً يتنزه أن يأكله، فراجعه، فقال الرجل: يا أبا سعيد، أخاف ألا أؤدي شكره، فقال الحسن: يالكع، وهل تؤدي شكر الماء البارد؟ ثم تلا عليه قول الله: يا أيها الذين آمنوا كلوا من طبيات ما رزقناكم
ويظهر أن انتشار الفالوذج في الأمصار العربية والحواضر، وتَضوع أخباره في البوادي، شوق الأعراب إلى استكناه هذا الطعام الموصوف، فأني لأنسي ولا أنسى نادرة يقطر منها ماء الظرف، وقعت لي في بعض القراءات، وهي أن أعرابيا خرج يضرب آباط الإبل إلى حضَر المسلمين، يسأل: ما الفالوذج؟. ومُ يُبَرَّدْ ظهر مطيته حتى وصف له، فلما سمع الوصف تَمَطَّق، ثم قال: أي والله لو نزلت هذه الصفة في القرآن لكانت موضع سجدة. . . وهكذا كشف تلك الرحلة الفالوذجية العاجبة، أمنية أدعى إلى العجب، وهي أن تنزل صفة الفالوذج في محكم الكتاب: سورة الحلوى!!