- أواه أنها لجميلة. . . انظري إلى الجمال كيف يرفَّ في وجهها، وإلى السحر كيف يشيع في صوتها. . . لقد كنت أجمل منها إذ كنت فتاة! يا حسرتاه!. . .
وراحت الوردة تنظر وتصغي. . . تنظر إلى الحبيب يعانق حبيبته، فيلثم تغرها ويجس نهدها. . . أو يناجيها بأرق الغزل وأحلاه. في هدأة هذا الليل المقمر الشاحب، فتجيبه بكلمات تخالها قطع الرياض كسين زهراً!
وذرفت الوردة دمعة. . . وقالت
- آه لو بقيت فتاة إذن لكنت. . . ولكان لي فتى. . .! ولكن. . . أن جنيتي قد تولت عني فمن لي بها؟ لقد قالت لي إنها سترجع، ولكن أين هي؟ وتنبهت الوردة عند السحر، فذكرت ما رأته في الليل. . . وما سمعته، وذكرت جمالها وسحرها، وكيف ذهب الجمال وغاض السحر. فذرفت دمعاً بلَّل خديها وراح يروى الثرى؛ وقضت نهارها في وجوم يبعث في النفس الأسى. فلما كان أصيل الغد، وكادت الشمس أن تطفل، رأت امرأة بارعة القد، صبيحة الوجه، تمشي الهوينا إلى جانب رجل في ريعان الشباب، ومعهما طفل يعدو وراء الفراشات فجلسا إلى جانبها. قالت المرأة:
- أنظر إلى طفلنا يا عزيزي. . كيف يهيم وراء الفراشات هه. . . هه. . . أتذكر يوم لقيتني لأول مرة على ضفاف البحيرة في حديثة كهذه، فجئت إلى فصددتُ عنك. . . ثم. . . يا لله لشد ما تزدحم الصور في مخيلتي! ثم جئت إليَّ وكلمتني كلمات. . وكلمُك كلمات. . . وكان يوم الزفاف بعد أسبوع!. . .
أتذكر يوم قلت لي إنك تريد طفلاً يدخل على نفسينا السرور وعلى عيشنا الهناء؟ فأضحك. . . ها هو ذا طفلنا يلهو ويلعب، وها هي ذي الحياة تبسم لنا وتضحك! تعال يا طفلي أقبلك. تعال فأنت الذي أذقني طعم الهناء. . .
وقام الزوج يطبع على ثغر زوجته قبلة أودعها كل معاني الحب والإخلاص. قالت الوردة:
- الآن فهمت معنى الأمومة ومعنى الزواج
كانت الشمس ترسل أول شعاع لها فتنبه شجيرات الورد الناعس عندما جاءت إليها الجنية تقبلها قبلة الصباح وتسألها عما بها فتجيبها بصوت هادئ حزين:
- آه! لن أتمنى بعد اليوم شيئاً! أريد أن أرجع فتاة لأكون أماً!