الفرعونية والعربية فكان من ذلك ما سميناه لمصر من ثقافة تقليدية شيء والروح المصرية شيء آخر. إلا أن هذا لا يمنع من أن ترسخ الثقافة التقليدية وتصبح وكأنها من صميم فطرة الشعب. وانسلاخ الشعب عن ثقافته التقليدية، وإن كان لها رجة في صميم الفطرة والروح إلا أنها لا تعني انسلاخ الشعب عن روحه وفطرته. وما ثقافة الشعب وتراثه إلا أثر وقوع الفطرة والروح تحت تأثير ظروف ومؤثرات تجد في طريقها للمحيط الاجتماعي والبيئة الطبيعية للشعب. بيان ذلك أن الروح المصرية تحتفظ بذاتيتها منصبة في قوالب شتى، فهي في قالب في العصر الفرعوني، وهي في قالب في العصر الإسلامي، وجماع هذه القوالب المختلفة يكافئ الحالات المتباينة التي يتضمنها المحيط اجتماعياً وطبيعياً. وإنكار هذا معناه أن الروح المصرية تغيرت من العصر الفرعوني إلى صورة أخرى في العصر الإسلامي. فما الذي يمنع أن تتغير إلى صورة أخرى في العصر الحديث؟ ولعمري هذا لا يتفق مع ما يعرف من قواعد الاجتماع وعلم تكون الشعوب، لأن روح الشعب شيء مجرد، يكتسب عن طريق وقوعه تحت تأثير الفواعل الاجتماعية والطبيعية خصائص متباينة شكلا وإن كانت متفقة روحاُ
من هذا أرى أنه من الضروري التفرقة بين روح الأمة من جهة، وثقافتها وتراثها الشعبي من جهة أخرى، وإذاً أيكون من الممكن لمصر أن تتجرد عن ثقافتها التقليدية، وتستبدل مثلاً بدينها ديناً آخر وبلغتها لغة أخرى كما حدث ذلك في عهد الفتح العربي ومع ذلك تحتفظ مصر بروحها وفطرتها، لأن ما ستأخذه الروح من القوالب سيكون عن طريق الوقوع تحت تأثير عوامل ومؤثرات وجدت طريقها للمحيط الاجتماعي والطبيعي، ويكون بذلك صور متباينة تأخذها فطرة الشعب، وبمعنى آخر قوالب شتى، غير أن قانون العادة يدخل لاستحداث المماثلة في عقل ومشاعر الشعب فيكون من ذلك تماثل الثقافة التقليدية الجديدة في سريرة كل فرد من أبناء الشعب
على هذا الوجه فقط يمكن تعليل تفسير القالب العربي للروح المصرية والذي تكون نتيجة لوقوع الروح المصرية تحت تأثير الثقافة العربية. وعلى نفس الوجه يمكن تفسير وجه قيام الثقافة الغربية في مصر مع احتفاظ مصر بروحها وفطرتها.
وأظن أن هذا الإيضاح كاف يقطع السبيل على كل اعتراض يمكن توجيهه من أن الثقافة