وكل الخلاف على ما يتبين أخيراً راجع إلى عدم التفريق بين الثقافة التقليدية والروح، فعندما يقوم أنصار الثقافة الغربية بدعوة إلى مدنية الغرب يثور عليهم أنصار الثقافة العربية قائلين إن معنى ذلك ضياع الروح المصرية والقومية، مع أن الروح شيء ثابت والثقافة شيء عرضي يتقوم بالروح وفطرة الشعب.
والآن لنتمش مع كلام المناظر في رده ولنعقب عليه بما يكفي لإظهار زيغه وبيان وجه بطلانه.
١ - نقلنا في صدر كلامنا في المقال الأول في الرد على مزاعم مناظرنا الفاضل كلمة عن هابل آدم بك الفيلسوف الاجتماعي المعروف. والكلام واضح بين في أننا بحكم كوننا في الحياة يجب أن نفكر فيها وحدها وأن نعمل لأجلها وأقامتها على أساس إنساني بدون أن نجعل للغيب سبيلاً للتدخل فيها. وهذه الكلمة تتجلى في صدر الحديث النبوي:(اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا). ومع ذلك رأى المناظر فيها غموضاً وحاول أن يتعسف بتأويل الكلام إلى أن معناه إنكار الآخرة. وقال وأين عجز الحديث:(واعمل لأخرتك كأنك تموت غداً)
يا صديقي ليس هكذا يكون الكلام!
قد يكون بدؤنا في طريق الله ونهايتنا في طريق الله، لكن (الوسط مدرجة بيوتنا ومصانعنا وحوانيتنا، وبكلمة أخرى طريق بعضنا إلى البعض) يجب أن يكون مبدؤها ومردها الأول والأخير عندنا، حيث يقوم العقل الإنساني بتنظيم الحياة البشرية
هذا هو حقيقة كلام هابل آدم في ضوء تحليل مدلول عبارته التي أستهل بها كتابه الخالد (مصطفى كمال للترك كتابي) الذي ترجم لأكثر اللغات الحية ونقل ملخصاً إلى العربية بقلم صديقنا الأستاذ إسماعيل مظهر عن ترجمته الإنجليزية.
٢ - قلنا إن موضوع الخلاف بين ثقافة الغرب وثقافة الشرق يرجع إلى كون الثقافة الشرقية وقفت عند حدود الدرجة الثانية في سلم الارتقاء الفعلي بعكس الثقافة الغربية فإنها اجتازت هذه الدرجة إلى التي بعدها. ولا أدل على ذلك من بعض المراجعة لثقافة كل من الشرق والغرب في ضوء قانون الدرجات الثلاث الذي كشف عنه أوغست كونت