للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الود ترجع إلى نحو عشرين سنة، منذ كان الأستاذ حافظ محاميا في طنطا.

وكان صديقه يقضي أجازته في الاسكندرية، مشغولا بكتاب يهم أن يصدره في شأن من شئون الإسلام أوحى إليه بموضوعه فترة غير قصيرة من تاريخه السياسي قضاها في بلاد الحجاز، وكان الرافعي يعاونه في إنشاء كتابه. . .

وكانا يتواعدان على اللقاء في ملهى من ملاهي الإسكندرية على شاطئ البحر، حيث تتهيأ لهما الفرصة من هدوء المكان في النهار وقلة إقبال الناس عليه، لما هما فيه من عمل

في هذا الملهى كانت تعمل فرقة الراقصة المشهورة (ببا) فيعج كل مساء بمن يفد إليه من طلاب اللهو والهوى، ليفرغ للرافعي وصاحبه في النهار يداولان الرأي في شئون الأدب والدين والفلسفة. وشتان ليله ونهاره!

وكثر تردد الرافعي وصاحبه على هذا الملهى حتى ألفهما المكان وألفا ما فيه، وألفهما فيمن أَلِف فتاة من راقصات الفرقة، هي الإيطالية الحسناء (بـ. . .) فما كان بينها وبين الرافعي إلا نظرة وجوابها ثم كانت قصة حب. . .

وجلس الرافعي إليها يتحدثان ذات نهار، وكشفت له عن صدرها وكشف لها، فكان بينهما حديث طويل، شهده الأستاذ حافظ من بدايته إلى منتهاه، ثم ترك الرافعي لهواه وتركته صاحبته. . .

وذاق الرافعي مرة أخرى لوعة الحب وبرجاء الهوى، وكانت محبوبته الأخيرة راقصة من بنات الهوى تعمل في مسرح هزلي من مسارح الصيف المتنقلة بين شواطئ الإسكندرية. . .!

تلك هي صاحبة (الجمال البائس)

وانتهت اشهر الصيف وعاد الرافعي إلى طنطا وعادت الفرقة الراقصة إلى القاهرة، وشت ما بين الحبيبين!

ولقيت الرافعي بعدها فحدثني حديثه والكلمات ترتعش على شفتيه وفي عينيه بريق عجيب؛ ثم تهدج ورق صوته وهو يقول: (مسكينة! يا ليتني أستطيع أن ابلغ ما في نفسها لأعلم ما تشكر من حظها وما تنكر. . . ليس موضعها هناك، ولكنه القدر!)

ولقيته في القاهرة ذات مساء، وقد فرغ من مقالات (الجمال البائس) فدعاني أن اصحبه إلى

<<  <  ج:
ص:  >  >>