فقد كنا نجلس في ديوان من دواوين الحكومة والى جانبنا نافذة تطل على الطريق، وأمام النافذة بيوت وشرفات، فظهر على إحدى هذه الشرفات رجل يلبس (البيجامة) أو المنامة كما سماها صديقنا المازني وأصاب في إحدى قصصه الصغار، فما راعني إلا تأفف لمحته على وجه الموظف الكبير الذي كنت أزوره، وإذا به يصيح في غضب واشمئزاز: أهذا أدب؟ يتعلمون لبس المنامات ولا يتعلمون كيف يلبسونها وأين يدارونها عن الأنظار؟
فخطر لي أن الدعابة هنا واجبة وأنها من الدعابات التي يجئ معها البحث وتحسن فيها المناقش،
فقلت:
أترى الفرق عظيما بين المنامة والملابس التي يلبسها الموظفون من أهل الهند في دواوين الحكومة؟ أليس السروال هنا أسبغ على الجسم وأدنى إلى الوقار؟
فسكت قليلاً كأنما كان هذا السؤال لا يخطر له على بال، وراح يقول في تلعثم:(ولكن الناس عادات، وما يجوز في الهند قد يعاب بيننا نحن المصريين، وهذه المنامة من ملابس الأوربيين فإذا اقتدينا بهم فيها فليكونوا قدوة لنا في مواضع لبسها وآداب الأزياء عندهم في جملتها. . .)
وكان جوابه في الحقيقة مقطع القول وفصل الخطاب في مثل هذا الموضوع، لأن المسألة مسألة اصطلاح وتقدير، فإذا كانت البيجامة لباساً للنوم والتبذل فهي لا تحسن في غير مواضعها من البيت أو مواضعها من رفع التكليف، ولا محل للمقابلة بينها وبين أزياء أهل الهند في دواوين الحكومة لأن الهندي الذي يلقاني بالقميص الطويل والسروال الواسع لا يعتقد ولا أعتقد أنا أنه يلقاني بثياب التبذل أو بثياب النوم، وهذا هو الفارق الذي يفصل بين زي وزي في مشارق الأرض ومغاربها، ولا فارق سواه في اعتبار الثياب والأزياء
إن لاعب الكرة لا يغطي من جسمه نصف ما تغطيه المنامة، ولكنه يظهر بين مئات الألوف في ميدان لعب الكرة ولا يقدر على الظهور بالمنامة لواحد من الزوار غير من يعاشرونه في البيت ويرفعون بينهم وبينه التكليف، وقد بلغ من تحرج بعض الأوربيين أنه لا ينتقل إلى حجرة الاستقبال في داره بغير ملابس الاستقبال، ولو لم يكن هنالك أحد من