للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الزائرين

فالمسألة كلها مسألة اصطلاح حسب الوقت وحسب المكان وحسب السكان

ومن أجل هذا جاز أن يمشي الرجل والمرأة على شاطئ الحمام كالعاريين، ولم يجز لهما في عرف الشرطة أو عرف السابلة أن يصعدا السلم بهذه الحالة إلى عرض الطريق. ولقد يكون الشاطئ حافلا بالمئات من النظارة مستحمين أو غير مستحمين، ويكون الطريق خلوا من عابر واحد في تلك اللحظة، ولكن الاصطلاح وحده هو الذي يمنع هنا ما يجيزه هناك

ليست المسألة إذن مسألة طول (القماش) ولا مسألة شكله ولا مسألة تفصيله أو الجانب الذي يبديه أو الجانب الذي يخفيه، ولكنها كما أسلفنا مسألة المعنى الذي يوقعه في روع الناظر والشعور الذي يبعثه ويوحيه. ومن ثم يأتي اليوم الذي يغلب فيه الاصطلاح المتبع على الاصطلاح المهجور، وتخف وطأة الحكم الذي نحكمه على المستحمين والمستحمات ونحن صادرون عن معنى سابق وشعور قديم

على الشاطئ يعرف الإنسان هذا جميعه ويعرف معه سلطان الإرادة على تكوين الأعضاء، وتكوين الأذواق

فالأجسام الحسان التي ترى هناك لم تولد كلها ولا ريب على هذا الصقل وعلى هذا الهندام، ولعلها لم تكن كذلك قبل عام أو عامين، ولم تصل إلى ما وصلت إليه إلا بفعل العلاج في الغذاء والعلاج في الحركة والعلاج في سائر الأعمال

وبهذه المثابة نفهم سلطان الإرادة، ونفهم أن الإرادة مسخرة لشعور الجمال حين يستعصي تسخيرها لشعور العقائد والفرائض والعادات

فهذه الحسناء اللعوب التي تحرم نفسها القوت والراحة وتنظر أمامها مشتهيات الطعام على المائدة فلا تقربها، وتصبر على يد الحلاق ساعات، وعلى يد الطبيب شهوراً وسنوات - كم تطيق من كل هذا أو بعض هذا في شهر رمضان؟

وكم تطيق من كل هذا أو بعض هذا إن كانت مسيحية وفرض عليها الدين أن تجتنب اللحوم والأسماك في بعض الأيام؟

بل كم تطيق من كل هذا أو بعض هذا إن قيل لها إن خطراً على الحياة يوجب عليها الصيام عن هذا الطعام أو التدثر بهذا الكساء على غير أحكام المساهر والأزياء؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>