الجديد فهو إذاً ورع وتقوى وغيرة سامية على الفضائل في القول والعمل. هكذا ألف بعض الأدباء مجون الشعر العربي القديم حتى صار يُعَدُّ من الأخلاق السامية. وما على الأديب في هذا العصر إلا أن يعلن على رءوس الشهود أنه من أنصار المذهب القديم فيباح له كل شيء من أجل عدائه للجديد. ويكون مثله مثل الرجل الذي إذا عده العامة من أولياء الله الصالحين رفعوا عنه (الكلفة) وأباحوا له ما لا يبيحون لغيره من عباد الله. فإذا أرتكب أحد (أولياء) العامة أمراً (ينتقد) وحاول أحد النظارة أن يعيبه به تجمهر الناس حوله وكل يقول له: أتركه يا شيخ ولا تعبه، لأنه من أولياء الله وعباده الصالحين وقد رفعت عنه (الكلفة) فهو غير مسؤول عما يفعل. ومن الغريب أن بعض الأدباء أراد أن يفهم الحاضرين أن حافظ بك مات شهيد الحرب التي شنها عليه أدباء المذهب الجديد، ولم تكن هناك حرب وإنما انتقده الأستاذ المازني نقداً بريئاً خالياً من الفحش والمجون. أما الحرب فقد كانت سجالاً بين أنصار حافظ وأنصار شوقي وكان الفريقان من أنصار المذهب القديم وكانا يستبيحان كل سلاح مهما كان، وتشهد بذلك نسخ الجرائد الأسبوعية التي طبعت في ذلك العهد. وكان أشد الناس حرباً على حافظ بك أنصاره من المرتزقة وكانوا يصنعون صنع الجنود المرتزقة فيخذلونه في أثناء المعركة من أجل رشوة وأجر مُطمع من خصمه
فإذا كان حافظ بك قد هزم في بعض معاركه فالذنب ذنب الجنود المرتزقة الذين خانوه والمعركة قائمة ولم يقدر خيانتهم. ولم يكن للمذهب الجديد وقتئذ أنصار عديدون، ولو قامت بينه وبينهم معركة ما استطاعوا لكثرة أنصاره أن ينالوا منه، ولم يكن لهم حول حتى يدبروا له الدسائس. فكل ما قيل من هذا القبيل في الحفلة من قبيل السمر بالقصص الخيالية، وله منفعة أخرى جلب العداء لأنصار المذهب الجديد بالطريقة التي بها يجلب لهم العداء إذا قيل إنهم أنصار إبليس اللعين. ولو أن حافظ بك إبراهيم كان اليوم حياً لضحك ضحكاً كثيراً إذا سمع ما يقوله أدباء المذهب القديم من أن أدباء المذهب الجديد نالوا منه ودسوا له. نعم إن الرجل كان محاطاً بالوشايات والسعايات من الأدباء، ولا نعني أهل السياسة فهذه مسألة أخرى، وهذه الوشايات كان يتقدم بها الأدباء إما نكاية من بعضهم لبعض واستعانة بحافظ بك في تلك النكاية، وإما نكاية لشوقي منافسة كما كان جلساء شوقي يسعون عنده بحافظ نكاية له