والحشاشون والباطنية فروع بعيدة تفرعت من الشيعة كما تفرعت الشيعة من الإسلام. وربما كان من تلك الطوائف البعيدة ما ينكره الشيعة. كذلك تفرعت من نهضة التجديد الرجعية فروع بعيدة ولا تزال تتفرع، ومن يحاسب نهضة التجديد عليها كمن يحاسب المسلمين عموماً على عقائد بعض الطوائف التي تفرعت من الإسلام
تفرعت من شيعة التجديد طائفة لم تراع أنه إذا أريد الإقلال من صناعة العباسيين فلا بد من الإكثار من سلامة أسلوب كأسلوب شعراء صدر الإسلام مع تجنب حوشي الكلام، فدعت هذه الطائفة إلى أن يكون أسلوب الشعر أقرب الأساليب إلى لغة الكلام؛ وهذا لا عيب فيه إذا روعيت سلامة اللغة والعبارة. وتفرعت طائفة لم تراع أن وصف أحاسيس النفس وخواطرها ينبغي ألا يبلغ حد الإباحية في الخلق إذا أريد أن يحل شرح الأحاسيس والخواطر وبحثها محل الغزل وأبواب القول المصطنعة التي أولع بها المتأخرون. ولا ننكر أن أشد الشعراء حيطة في وصف النفس الإنسانية وخواطرها على هذه الطريقة قد يشتط في بعض قوله، ولكنه شطط محدود ولا يهدم فضيلة المذهب، كما أن الغصة أو التخمة لا تقضي على فضيلة الأكل والطعام. وتفرعت طائفة لم تراع أن تجديد المعاني والأخيلة ينبغي ألا يتعدى المعاني والأخيلة التي يقرها ويفهمها العقل البشري سواء أكان مصرياً أو إنجليزياً أو صينياً. أما الأخيلة البعيدة وأوجه الشبه القصية والضئيلة والتي لا قيمة لها ليست من أوجه التشبيه في الشعر الراقي الذي يعد من الطراز الأول في أي مكان. وتفرعت طائفة ترى أن انقطاع الصلة بين الرموز والأمور التي يرمز إليها بالرموز، وتدخل صور الرموز بعضها في بعض، مما يروق بعض القراء لأنه يروع نفوسهم، ونسوا أن طمس معالم الصور إذا راق فترة لجماعة ليس من وسائل الشعر الخالد الذي يروق العقل البشري العالمي في كل زمان ومكان. وتفرعت طائفة تريد أن تحكم الوعي الباطني (أو العقل الباطن) بدل تحكيم ملكات العقل الظاهر المألوف، ورأوا أن هذه وسيلة للغوص إلى أعماق النفس ونسوا أن الغوص في أعماق النفس يقتضي يقظة الوعيين والعقلين الظاهر والباطن واتفاقهما وإلا كان ما يقوله القائل بالوعي الباطن وحده لا قيمة له
إن أدباء المذهب القديم عندما يحدثون عن نهضة التجديد يغفلون أسبابها والضرورة الاجتماعية التي دعت إليها، وأنها في أولها كانت نزعة رجعية أو شبه رجعية، وأن الأدب