أولى بساستنا وجماهيرنا أن يشعروا حلفاءنا الإنجليز في موقف حاسم تتجمع فيه كل الإيرادات بما في طويتنا من أننا لا يمكن أن نسلم بأن تخرج فلسطين من أيدينا.
والواقع أن هذا هو ما سيكون. ولكن ترددنا وتفرقنا وعدم إظهار مكنون صدورنا في الوقت المناسب هو الذي أطمع اليهود وأوهم الإنكليز أننا سنخدر بالتدريج ونخدع عن مصير فلسطين.
وأؤكد أن الفلسطينيين والمسلمين لو أبدوا من ابتداء ظهور القضية الصهيونية ما يبدونه الآن من الثورة العملية في فلسطين والثورة النفسية المنذورة بالشر في كل بقاع العرب والمسلمين. .
ما سارت فلسطين إلى مطمع لليهود. ولكن ترددنا وانقسامنا وعدم النظر البعيد إلى المستقبل هو الذي أطمعهم في أن يكون لهم حق فيها وان يصير هذا الحق مكتسباً بتوالي الهجرة.
يا أهل فلسطين المعذبين! وحق العزة والشرف لأنتم أسعد المسلمين الآن، وأغناهم وأكثرهم أمنا!
أسعدهم، لأنكم تركتم نحس الذلة وكآبة العبودية، وتحررتم من كل شهوة دنيئة إلى الحياة الحقيرة المحدودة التي يرومها لكم المتآمرون عليكم
وأغناهم؛ لأنكم ملكتم دنياكم وظروفها إذ ملكتم أنفسكم الرحبة العظيمة وصرَّفتم مقدرات وطنكم بها ولم تبيعوا منها شيئاً بشيء من أوساخ الدنيا وأثمان الناس. . بل جعلتموها وقفا محبوسا لله يأخذ منها ويوزع على المسلمين الفقراء إلى النفوس. .
وأكثرهم أمناً؛ لأنكم لكم ما تخافون عليه من الموت بعد أن صار الفداء مشتهى أحدكم. ومتى ما صارت المنايا أماني فالأموال والثمرات والأولاد تسقط من موازين التقدير وحساب الموجود والمعدوم. والنفس تنطلق كما ينطلق الإعصار لا يبالي أن يقع بجسمه على مطرح لين رخو كماء البحر، أو على مطرح قاس كوجه الصخر! إنه قوة مسلطة جائحة، قيل لها من إرادة الحياة العليا: كوني طائعة في يدي. . . ثم هُبي ثائرة جارفة كما أريد فكانت. . .
فالنفس الثائرة لحق الله وحق الحياة، آمنة غاية الأمن ولو طبخت بالنار. . . ولو زلزلت