وهي جملة أوحاها إلي قلمي مصرع الشهيدين عز الدين القسام وفرحان السعدي: الشيخين اللذين فتحا باب الثورة في فلسطين بتدبير جنوني في رأي من يستعبدهم واقع الحياة، وليس لهم إلهام العقيدة الذي يمتد بالملهمين إلى ما وراء عالم الأعين والحواس. . .
ولكن هذا التدبير أنتج صميم العقل والمنطق لأنه دفع بالقضية الفلسطينية إلى الموقف الفاصل بعد أن سئم المحقون الجدل مع (الثعلب) و (الأسد) في الحق الذي ينادي على نفسه وأصحابه. . .
وسواء انتهى النضال في فلسطين بفوز العرب أم بفوز أعدائهم لا قدر الله، فإنهم أعذروا وأقاموا الحجة وشفوا نفوسهم ونفوس العرب وخلوا أنفسهم من تبعات التقصير، والتبعة الكبرى بعد ذلك على بقية العرب والمسلمين
وآفتنا في قضايانا الوطنية هي هؤلاء العقلاء المناطقة الذين لا يعرفون الفرص التي يجب على الإنسان فيها أن يجن! وأول درجات جنونه ألا يفكر في نفسه، وأن يذهل عنها. وحين ينحرف لهذا عقله وطبعه يفعل الأعاجيب، ويحصل بالجنون من الحياة التي لم تنصفه العقول فيها على كل ما يطلب. . .
انظر إلى المنطق الذي يقعد المسلمين عن الموقف الحاسم في المشكلة الفلسطينية: إنه يتمثل في هؤلاء الأفراد الذين لا يدينون إلا بالفردية ويسخرون من الأشخاص السائرين وراء كلمة الشرف أو (الوطنية) أو (العقيدة) وهؤلاء مقيدون بواقع منافعهم وخصوصياتهم ولذاتهم وحماقات نفوسهم وأجسامهم، وليس عليهم وراء ذلك مسئوليات وتبعات
وهؤلاء هم الذين يقعدون دائماً بأممهم عن الوثبات والقفزات لأنهم غلف القلوب عمي العيون عاجزو الأقدام
فلو فكر الفلسطينيون (بالعقل الوضعي) و (الواقع العملي) في قوة إنجلترا وغنى الصهيونيين، مقارنين ذلك بضعفهم وفقرهم أكانوا أقدموا على عمل شيء من هذه المعجزات التي يقومون بها الآن؟
لقد انطلقوا من كل قيد وصاروا قوة تفكر بالرؤوس والأرجل والأيدي كما توحي الساعة وتلهم الظروف وتحتم الحياة. وصاروا قوة من قوى الطبيعة الغاضبة كالأعاصير والزلازل والبراكين