ومما يؤيد أن الفالوذج كان يصبغ بالزعفران، وأن هذه الصبغة كانت من علامات التجوُّد فيه، وحسن الصنعة له؛ ما يؤثر من أن الكراريسي دعا أبا الحسن بن طباطبا، وقرب إليه مائدة، فخرج أبو الحسن ينظم قصيدة يذم فيها ما قدم له الكراريسي من ألوان الطعام، ويسمي كل واحد منها باسم يعيبه به، ويَزْري عليه؛ وكان مما أنكر من تلك الألوان الفالوذجة، لأنها كانت قليلة الزعفران والحلاوة؛ فسماها: صابونية، وبيتها في القصيدة:
وجام صابونية بعدها ... فافخر بها إذ كانت الخاتمة
فلما بلغ الكراريسي شعر أبي الحسن، وعلم أنه في معشر يبتدرون أكله، ويتنقلون بذمه، حلف لا يُدخل أبا الحسن ولا أحداً من أصحابه داره، ولا يحضرهم طعامه!
وقد اتخذت للفالوذج فوق ذلك زينة مجلوبة، تمدُّ منظره بالبهاء والرونق، وتزيد في طعمه اللذاذة والسواغ، وهي: اللوز المقشور. فكان ينضد أنصافاً في جوانبه كاللؤلؤ، أو ينثر كالنوّار. فلما تواصف الأدباء هذه الحلواء المعجبة، تناولوا زينتها بالتشبيه الجميل. فقد نسب الحصريّ إلى أهل عصره جملة منثورة في وصفه هي:(كأن اللوز فيه كواكب در في سماء عقيق)
ولون الفالوذج كما يدل عليه ظاهر الصفة فيما سبق من النوادر: الحمرة، إذ كان العقيق أحمر تشبه به الأشياء في الاحمرار؛ غير أنه قيل لأعرابي: أتعرف الفالوذج؟ قال: نعم أصفر رعديد! ومفاد قولة الأعرابي الصفرة، على أنه قد يكون المراد منها: لون الورس والزعفران فإنه قيل فيهما: الأصفران. والورس: نبت يضرب من الاحمرار إلى الاصفرار ورَعْياً لهذا يسوغ لنا أن نقول: إن لون الفالوذج هو ما يكون بين الحمرة والصفرة ضارباً إلى هذه والى تلك؛ فهو اللون الورسي الزعفراني المقارب للعقيق، المشبه إياه في التوهج والبريق!
ولهذا شبهوا الفالوذج فيما وصفوه، بالشمس وهي متضيفة للغروب، حائلة اللون، بين الصفرة والحمرة؛ وقد ذكر الثعالبي أبياتاً لأبي الحسن الممشوق الشامي يصف جام فالوذج، منها:
فقد اغتدت في جامها وكأنها ... شمس على بدر أوان المغرب