وتخال فيها اللوز وهو منصف ... أنصاف درّ فوق صحن مُذْهب
ويجمل ألا نغفل هنا أن العقيق ليس مقصوراً على النوع الأحمر المتعارف، فمنه أصفر وأبيض، وربما كان الواصف في الكلمة التي نقلها الحصري أراد بالعقيق النوع الأصفر منه، إلا أنني لا أجد في نفسي ميلاً إلى وفاق هذا التخريج على سلامته، فالنوع الأحمر من العقيق هو مضرب المثل، وهدف الوصف، وهو مصرف الذهن إذا أطلق فلم يقيد بنوع خاص من أنواعه المختلفات.
ويشد عضد هذا أن الكلمة المنثورة التي نقلها الحصري تروي شطر بيت في قطعة للسري الرفاء، بعث بها إلى أبي بكر الخالدي، يصف جام الفالوذج ويشير إلى أن أبا بكر يقبل هذه الحلواء رشوة ينحاز بها إلى أحد الخصمين في الأقضية، قال السري:
إذا شئت أن تجتاح حقا بباطل ... وتغرق خصما كان غير غريق
فسائل أبا بكر تجد منه سالكا ... إلى ظلمات الجهل كل طريق
ولاطفه بالشهد المخَلَّق وجهه ... وإن كان بالألطاف غير حقيق
بأحمر مبيض الزجاج كأنه ... رداء عروس مشرب بخَلُوق
له في الحشا يرد الوصال وطيبه ... وإن كان يلقاه بلون حريق
كأن بياض اللوز في جنباته ... كواكب لاحت في سماء عقيق
فقوله: أحمر، وقوله كذلك: لون الحريق، وما تقدم من أن الزعفرة من عملها التلوين، يمنع كل المنع أن يكون المقصود من العقيق النوع الأصفر؛ ما من ذلك بُدّ!
والسري قد جعل المقطع من أبياته تضمينا لبيت لأبي بكر الخالدي المهجو، فإنه يروي له قوله يصف الخمر لا الفالوذج:
كأن حباب الكأس في جنباتها ... كواكب در في سماء عقيق
وفي الحسبان أن العرب كانوا يأكلون هذه الحلواء مثلوجة باردة، إذ كانت كذلك تؤكل لعهدنا هذا. ولكن الجاحظ نقل طرفة واضحة الإفصاح بأنها حارة، وأنها كانت تقدم على هذه الصفة. أو أن منها ما كان يؤكل حاراً، فليست تثبت القصة إلا أن الفالوذج قدم مرة لآكليه يزفر أنفاسه الحرار. قال أبو كعب: كنا عند عياش بن القاسم، ومعنا سيفويه القاص، فأتينا بفالوذجة حارة، فابتلع سيفويه منها لقمة، فغشى عليه من شدة حرها. فلما أفاق، قال: