فما غدرَتْ بي في حماها نَسَائِمٌ ... سقاها رَبيعُ الُحْبِّ أكوابَ أَنْدَاء
وَللهِ عَهْد بالزمالك لم يكنْ ... سِوَى لمحاتٍ يَزْدَهِينَ وأضواء
هصرْتُ به غُصناً نضيراً تفتحتْ ... أَزاهيرُهُ في ظِل خضراءِ لفَّاء
وأين على مصرَ الجديدةِ مَوْرِدي ... وأين سُهاَدي في حماها وإغفائي
أطايبُ ذقناها ولم نَدْر أنها ... لنُدْرَتِهَا في الدَّهر أزهارُ صَحْراءِ
أَحِبَّايَ في مصر الجديدةِ سارعُوا ... فقد صَرَّعْتني حول دجلة أدوائي
أَجِدّكمُ هل تعلمون بأنني ... وإن كنت جار الشط أشرب إظمائي
خذوني إليكم يا رفاق فإِنني ... أحاذِرُ في بغدادَ حَتْفِي وإصمائي
أخاف العيونَ السُّودَ فليرحم الهوى ... فجيعةَ أهلي يوم أقضي وأبنائي
أنادمُ أَحْبائي وفي الحق أنني ... لهول الذي أَلقى أُصَاولُ أَعْدَائي
أَدِجلةُ ما بيني وبينك؟ أَفْصِحِي ... فقد طال في مغناك تبريح إضنائي
وردتك أَستشفي فثارت بليتَّي ... وَأَرْمضنيِ حُزْني وَأَضْرعني دائي
وَرَدْتُك أشكو النيل يطغي جُحُودُهُ ... فأين سلامي في حماك وإشكائي
سقى وَرْدُك المعسولُ غيري ولم أَجِدْ ... لهول بلائي غير أوشاب أقذاء
أطال أُناسٌ فيك نجوى نعيمهمْ ... وفي شِطك المورودِ ناجيت بأسائي
أَدجلة أين الحب؟ قولي فإنني ... تقلبت في نارين: حقدٍ وبغضاءِ
أدجلة أين النور؟ قولي فإنني ... على الشط أستهدي دياجير ظلمائي
أَدجلةُ أبلاني اغترابي وَشَفَّني ... هُيامي بظُلمي في بلادي وإشقائي
أَدجلةُ أَنت النيلُ بغياً وَكُدْرَةً ... فكيف من النارين تسلم أحشائي
أدجلةُ ساقتني إليك مَقادرٌ ... تأنَّقنَ في كيدي وأبدعن إيذائي
أَدجلةُ واسيني فللضيف حَقُّهُ ... إذا شئت من زادٍ وحبٍ وصهباء
طغى موجك الصخاب فاهتاج لوْعتي ... وَأَيقظ أشجاني وبلبل أهوائي
وقفتُ أَبثُّ الجسر ما بي فلم أكنْ ... سوى نافثٍ في أُذني رَقطاَء صَماَّءِ
وقفتُ أُرجِّيه ولم أَدْرِ أَنني ... أُسطَّر أحلامي على ثَبَجِ الماء
إلى أين هذا التِّبْرُ يجري وحولهُ ... حرائقُ من أَرضٍ على الريَّ جَدبْاء