مبلغ وصف العورة والفجر كما فعل النابغة وكما فعل كثير من أدباء العرب في العصور المختلفة احتذاء للنابغة حتى في عبارات وصفه.
على أن رجوع نزعة التجديد إلى طريقة النظم بالعاطفة أو بذكرى العاطفة، ومحاولة الإقلال من المغالاة بالصنعة العباسية ليس من جهل بفضل الأدب العربي في العصر العباسي، ولا من جهل بفطاحل شعرائه وأدبائه، ولكن هؤلاء الشعراء شغلوا بمدح الخلفاء والأمراء ووضعوا لهذا المدح أوضاعاً. وإذا قرأت أجزاء مختارات البارودي هالك نصيب باب المديح من تلك الأجزاء الأربعة، وهالك تردد المعاني في ذلك الباب؛ وهذا معنى ما أشير إليه من جمود المعاني والموضوعات وغلبة الصنعة على العاطفة النفسية، وذلك لا ينفي أن نصيب هذا العصر من التفكير وحرية القول كان عظيماً. ومما يؤسف له أن حرية القول كان أكثرها في المجون إلا عند بعض المفكرين من الشعراء. ولا ينفى أن تلك الصنعة التي ما لبثت أن تحجرت في أوضاع المديح كانت في أول أمرها تجديداً، ولكنها في المتأخرين ضاع التجديد فيها وتدلت إما إلى محاكاة عبارات ومعاني السابقين، وإما إلى ما رأينا من النكات اللفظية والجناس وأشباه من الأمور التي استغنى بها حتى عن روعة الأسلوب وفخامته، إلى أن جاء البارودي وحافظ وشوقي فعادوا إلى محاكاة أفخم أساليب العصر العباسي الأول. ثم جاءت نزعة المذهب الجديد وحاولت إحداث شيء من التجديد في أبواب القول ومعانيه وأخيلته، وفي طريقة بحثه للموضوعات بالرجوع إلى خواطر النفس وأحاسيسها. فإذا كان بعض أدبائها قد وصف في الأحابين خواطر لا يصح وصفها، فإنه أمر عارض لا يصح أن يكون عنواناً للمذهب، أو أن يفسر به المذهب؛ وهو على أي حال أهون مما في كتب الأدب القديم من وصف فُجْرِ ومن مجون يقرؤه الفتيات والفتيان في مكتبات مدارسهم كل يوم حتى صغارهم الذين يكاد المرء يعدهم من الأطفال. فينشأ هؤلاء الأطفال على النفاق والبجح إذا ما لقنهم الملقنون أن الأدب الأوربي من آداب الرذيلة، وهم منغمسون في حمأة الرذيلة بسبب كتب الأدب العربي القديمة. أما ما يأخذه بعض كتاب المذهب القديم على المذهب الجديد من الولوع بشعر التأمل فهو أعجب العجب. وهم إنما يخلطون بين شعر التأمل وبين شعر متون وحواشي كتب الفلسفة، أو بين شعر التأمل وشعر تعليم الأولاد. فشعر التأمل في الحياة والنفس هو خلاصة النفس؛ وهو لا