للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

النزعة إلى تحرير الرقيق في أمريكا. ولعل الشطط الذي كان في رفض النزعة كلها كان يغفر الشطط الذي يصحبها ويهون أمره في نفوس أنصارها ويساعد على نجاحها.

ومما يشاهد أيضاً في حياة الأمم أن الفساد الكثير المألوف قد لا يثير من التسخط قدر ما يثيره الفساد القليل غير المألوف، وإن كان الأول أوخم عاقبة وأكثر ضرراً. والنوع الأول من الفساد هو كما في الأدب العربي من مجون وإباحية صقلهما الدهر واعتادهما القراء حتى صارا لا يثيران تسخطاً بل يُنْظَرُ إليهما كما يَنْظُرُ الأب إلى ابنه الكثير الدعابة واللعب فيلومه ولكنه يحن إليه ويعطف عليه وتزيده دعابته ولعبه حباً له.

ومن المشاهد أيضاً أن الأديب أو المفكر قد يدافع عن مذهب وهو يعمل على هدمه من غير عمد، أو يعمل على الأقل لإذاعة نقيضه بمؤلفاته وهو في بعضها يعمل لنقيض هذا النقيض. فشوقي الذي أطرى البهاء زهير في مقدمة الطبعة القديمة من الشوقيات، هو شوقي الذي عمل بشعره المتين الأخير للقضاء على طريقة البهاء زهير وإضرابه. والرافعي الذي يروج أشد مذاهب الأدب الأوربي الحديث تطرفاً وهو مبدأ الرمزية من غير قصد بتأليف (حديث القمر)، هو الرافعي الذي ينتقد الأدب الأوربي أشد انتقاد في مقالاته. وكم من أديب قريب العهد بالأدب لولا بعض كتب الرافعي ما احتذى هذا المذهب فيما كتب.

فالعقل أو الوعي الباطن قد يُمَوِّهُ على العقل الظاهر الناقد. أليس في بعض شعر الصوفيين من شعراء اللغة العربية شهوة مكتومة يبوح بها العقل الباطن بالرغم من صرف العقل الظاهر معناها إلى الذات الإلهية؟ وهذا مع أن أوصاف المحبوب لا تشير إلا إلى إنسان جميل وإن القول شهوة محض.

ولعل الأستاذ قد قرأ وصف النابغة الذبياني للمتجردة زوجة النعمان واطلع على ما فيها من وصف عورة المرأة وما هو أشد من أشد من وصف عورتها في قوله (وإذا. . . وإذا). نعم إن النابغة شاعر جاهلي، ولكن استشهاد الأفاضل الإجلاء من شيوخ الأدب والعلم بهذا الوصف ونشره في الكتب التي يعدونها للقراء ومنهم الفتيان والفتيات، يدل على أن العقل الناقد فيهم قدْسها عن أن هذا الوصف يخالف العرف والتقاليد والآداب الإسلامية.

وهؤلاء الأفاضل هم الذين يسخطون على وصف الغواني في لباس البحر وصفاً لا يبلغ

<<  <  ج:
ص:  >  >>