في مصر ولونته بلون محلي. أما أن الدين يعمل على اقتلاعها لخير المجتمع وسلامته فليس ذلك من شأن الباحث المستقري. وله أن ينظر إليها إذا ما نجح الدين في اقتلاعها وأصبحت حقيقة ملموسة.
٧ - قلنا إن لمصر ثقافتها التقليدية التي تتميز بها عن جاراتها من بلدان الشرق العربي. غير أن المناظر وإن اعترف معنا بأن للمميزات الإقليمية أثراً على ثقافة الأمم اعتبر أن لكل أمم الشرق العربي ثقافة عامة شاملة، ومن هنا اعترض علينا وقال بوحدة ثقافة أمم الشرق العربي. غير أن هذا الاعتراض في غير محله، لأن اعتباره أن لأمم الشرق العربي ثقافة عامة شاملة إن كانت صحيحة إلى حد ما فهذه الثقافة تتلون وتأخذ طابعاً في كل بلد من بلدان الشرق العربي، فمظهرها في سوريا غير مظهرها في العراق، وهي في العراق غيرها في مصر، وهي في مصر غيرها في الحجاز، وهي في الحجاز غيرها في مراكش أو تونس. وهذه حقيقة قد تظهر أوضح للمراقب الأجنبي من حيث تتميز عنده الفروق الأساسية. ومن مظاهر هذه الفروق اللهجات العربية في مختلف بلدان العالم العربي، ومناحي الحياة المعاشية.
ولقد وهم المناظر الفاضل أننا نهزل حين قلنا إن العامية في مصر هي العربية الآخذة بأسباب الفرعونية، بينما نحن في مجال الجد؛ غير أن ناحية من الهزل بدت من خلال كلامنا حين لم يلاحظ مناظرنا ما قلناه في المقال الأول من أننا نعني بالفرعونية وحدة الحياة - عقلية أو معاشية - متمشية في ثقافة المصريين التقليدية حتى العهد الفرعوني. فإذا قلنا إن العامية هي العربية الآخذة بأسباب الفرعونية فإنما نعني أنها تأخذ طابعاً مصرياً خاصاً بها، هذا الطابع هو الذي يتمشى في ثقافة المصريين التقليدية حتى العصر الفرعوني، ومن هنا جاءت كلمتنا الآخذة بأسباب الفرعونية).
وأظن أن كلامي قد وضح وبان مفهومه وظهر أنه جد لا هزل. . . وبهذه المناسبة ألفت نظر المناظر إلى مراجع قيمة في اللهجة المصرية تشفي غلته وتؤيد وجهة نظرنا، وأهم هذه المراجع بحث للبروفيسور نلينو عنوانه (كتاب في اللهجة المصرية) وهو مطبوع بميلانو عام ١٩٠٣، ودروس الأستاذ احمد والي ويوسف المغربي والأستاذ كراتشفوفسكي.