ثقافة مصر التقليدية، تعسف إلى حد أن خرج على الأوليات المعروفة في حقائق الاجتماع وعلم تكون الشعوب. وإلا فليفسر لنا معنى سخريته من هذه الأوليات؟
يقول المناظر الفاضل:
(أما أن يعد المناظر (يعنيني بذلك) طريقة استغلال الأرض فطرة (لم نقل فطرة وإنما كل ما قلناه ثقافة تقليدية أو تراث للشعب، فإذا صحح الكلام على هذا الوجه يستقيم) فذلك مما لا يوافقه عليه أحد - لماذا؟ - لأن المسألة هنا تتعلق بتطور في أساليب الصناعة. ولو كان الأمر كذلك لكان كل مرتد غير القميص الأزرق، وكل حارث بآلة حديثة، وكل مستبدل (شادوقاً)(بطلمبة) فاقداً للأصل الفرعوني في ثقافته التقليدية).
وهذه لعمري إحدى أطاريف الكلام في مناظرتنا. ومنحى الطرافة أن يحمل المناظر الحقيقية على وضع يسخر منه!
نعم أيها الصديق، إن ما تظنه موضعاً للسخرية حقيقة واقعة. وإذا أردت السبب فإننا نسوقه بكل بساطة قائلين:
إن منحنى الحياة المعاشية التي يحياها الإنسان لهل أثر في تحديد مشاعره وتوجيه عقليته وتكوين ثقافته، من حيث أن الحياة المعاشية تقيم جواً طبيعياً واجتماعياً يعيش فيه الإنسان، وإلا فما الفرق بين ثقافة إنسان يحيا حياة رعي وصيد، وحياة إنسان يحيا حياة زراعة، وحياة إنسان يحيا حياة صناعية؟
لا أظن أن المناظر الفاضل يتعسف إلى الحد الذي ينكر الفرق الثقافي بين هؤلاء وأثر حياتهم المعاشية في تكوين ثقافاتهم إلا ويخرج عن الأوليات المعروفة في علم الاقتصاد والاجتماع. وهو إن شاء أن ينكر فلسنا نمنعه. ولكن ليبين لنا إلى أي شيء يستند حتى نناقشه على أساسه؟!
كذلك إنكار المناظر أن تكون التقاليد التي احتفظ بها المصريون من العهد الفرعوني دليلاً على ظهور الدين الإسلامي في مصر على الدين الفرعوني فلا أظن أن منطقه أسعفه في إنكاره، لأنه يعترف ضمناً بهذه الحقيقة في اعتراضه بقوله:
(على أن ما تبقى من التقاليد يعد بدعاً لا يزال الدين يعمل على اقتلاعها من المجتمع لخيره وسلامة إيمانه) فكأن هناك تقاليد تبقت من العهد الفرعوني وتسربت إلى الدين الإسلامي