من أن تضيق بها تلك الرقعة السوداء بل إن آثار الله وآلاءه مبثوثة في كل جزء من أجزاء الكائنات، حتى يبقى البرهان القاطع قائماً على شيوع الآيات الباهرة في سائر مناحي تلك المجموعة الشمسية
وفي كل شيء له آيه ... تدل على أنه الواحد
وقد سلك أرستطاليس في ذلك مسلكاً يخالف مسلك المتقدمين من الفلاسفة كأفلاطون وبقراط ومن إليهما - فالمفهوم من تفاصيل مذهبه في النفس الناطقة وفي الخير والسعادة التي تنفعل بها قوى النفس جلي، بل إن الخير شيء غير السعادة وإنه شائع بأجزائه في كل مناحي الوجود حتى سرى الخير إلى سائر المقولات سريانه إليها دليلاً على ذيوعه وانتفاع الناس به. فالخير في الجوهر وهو ما ليس بعرض يمثل له أرستطاليس بالحق تعالى جده، فهو الخير الأول على حد تعبيره، فإن جميع الأشياء تتحرق بالشوق إليه ولأنه يفيض السرمدية والبقاء على الخير الذي كتب له الخلود وعلى الآلاء اللانهائية، وعلى كل ما لا يطرأ عليه الفناء من أجزاء العالم الثاني الذي يعبر عنه المتقدمون من المتكلمين بعالم الجزاء. وفي الكم يمثل له بالعدد والمقدار المعتدلين، ويمثل للكيف باللذائذ وألوان المتاع، ويمثل لمقولة الإضافة بالصدقات والرياسات التي تنبعث عنها صلاحية تنطوي على خير الإنسانية في أكمل حدودها، ويمثل لمقولة الأين بالمكان المعتدل في أبعاده وأجوائه ومحيطاته وبالزمان الأنيق البهيج المتفتح الأكمام عن المرح والسرور. ويمثل لمقولة الوضع بالقعود والاضطجاع وسائر المشاهدات المؤثرة، ويمثل للعقل برواج الأمر ونفاذ الكلمة وسعة السلطان. وعلى الجملة فأنواع الخير عنده منها ما هو من قبيل المحسات ومنها ما هو من قبيل المعقولات. ولعل الأستاذ أحمد أمين، وقد أذاع على متن الأثير محاضرتين في السعادة والشقاء، يعود فيصحح بعض نظرياته التي طالع بها سامعيه. ولعل الأستاذ الشيخ أمين الخولي، وقد أذاع هو الآخر على متن الهواء محاضرتين أو ثلاثاً لا أدري في الحياة المثالية والحياة البدائية وما يتصل بهما من قوى النفس الناطقة، يعود هو الآخر فيصحح بعض نظرياته ليرضي الحق وهيبة العلم في صميمه من جهة، ثم ليرضي في الأقل سامعيه من جهة أخرى، وموعدنا بالكشف عن ذلك كله سوانح مقبلة.