مثلاً، كلها يقصد بها خير ما لوجه الإنسانية على الأقل ولا يرتاب أحد في أنها كذلك وأنها تثمر ثمرتها المرجوة لها، فكل تصرف لا يقصد به خير ما كان عبثاً والعقل يحظره ويأباه
فيكون الخير المطلق مقصوداً إليه من الناس أجمعين، لكن بقي بعد ذلك أن يعلم ما هو ذلك الخير المطلق، وما الغاية القصوى منه التي هي غاية أنواعه وأعلى مراتبه؟ وذلك ما سنعالج تبيانه بعد. غير أن أرستطاليس قسم الخير تقسيماً مفصلاً ونوعه تنويعاً يكشف عنه كثيراً من الإبهام الذي وقعت فيه جمهرة من متقدمي الفلاسفة فهي ترى أن الخير أنواع وفصول، فمنه ما هو شريف ومنه ما هو ممدوح ومنه ما هو بالقوة، فالشريف منها ما كان شرفه مشتقاً من ذاته بحيث بقلع الشرف على من قام به وهو الحكمة والعقل، والممدوح منها كالفضائل والأفعال الجميلة الإرادية. أما ما كان بالقوة فكالتهيؤ والاستعداد لقبول الأشياء التي تكون نوعاً من هذه الأنواع، ومن الخير ما هو غاية، ومنه ما ليس كذلك، ومن الغاية ما هو تام، ومنها ما ليس كذلك؛ فما هو تام كالسعادة، لأن من بلغ إليها كان في غناء عن أن يكون له وراءها مطمع في مزيد، وما هو غير تام كالصحة واليسار، فإن من واتته الصحة وواتاه اليسار لم يكن له عن طلب المزيد غناء، بل ربما كانت الصحة أو اليسار من أقوى الحوافز له على طلب المزيد. أما الذي ليس بغاية منه فكالعلاج والتعلم والرياضة والعمارة والزراعة وما إلى ذلك. وجملة القول في الخير على ما حققه أرستطاليس وحكاه عن فرفوريوس أن من أنواع الخير ما هو خير على الإطلاق وما هو خير عند الضرورة. ومنها ما هو خير ولكن ليس من طريق له مقدماته ووسائله كالاتفاقات التي تتفق لبعض المجدودين من الناس، وأيضاً منها ما هو خير لجميع الناس ومن جميع الوجوه وفي جميع الأوقات. ومنها ما ليس بخير لجميع الناس ولا من جميع الوجوه (وبالتالي) منها ما هو في الجوهر ومنها ما هو في الحكم، ومنها ما هو في الكيف، ومنها ما هو في ألاين، ومنها ما هو في الضاف، ومنها ما هو في الخير. وعلى الجملة فالخير يعرض للمقولات العشر التي يعبر عنها الفلاسفة الأقدمون بأنها الأجناس العالية التي ليس فوقها جنس بل هي أعلى الأجناس جميعاً فهي تحمل عليه حملاً اصطلاحياً إخبارياً. وقد أفاض أرستطاليس إفاضة مبسوطة في تبيان هذه الأجناس العالية، وعروض الخير لها دلالة منه على أن مناحي الخير غير محدودة، وأن نعمة الله التي أسبغها على عباده أوسع