أن تكون وعند من تجدر فهي سعادات متنوعة، فما كان منها يراد لشيء يناسبه فذلك الشيء أجدر أن يطلق عليه أسم السعادة.
ثم كشف بعد ذلك أرستطاليس عن رأيه في بسط وإبانة، فقال مع تصرف في مبناه والاحتفاظ في معناه: قلما يتاح للإنسان أن يفعل الأفعال الشريفة المرضية دون مادة تقوم عليها كاتساع اليد وكثرة الأعوان وجودة البخت، ويتضح ذلك جلياً في صناعة المُلْك والرياسات المختلفة حيث لا يواتيهم توطيد لأركان هذه الزعامة إلا مقترناً بالشرائط المبنية على أن هناك نوعاً من الأعطية هي عطية الله تعالى جده، فهي السعادة لأنها عطية منه عز اسمه وموهبة في أشرف منازل الخير وأعلى مراتبه، وتلك الموهبة خاصة من خواص الإنسان الكامل فلا يشاركه فيها من ليست إنسانيته تامة كالصبيان وما يجري مجراه
وتلك النظرية تقوم على نظرية أخرى عند أرستطاليس فهو يرى أن السعادة تعتبر كذلك بالإضافة إلى صاحبها فهي كمال له، فالسعادة على هذا الوضع خير ما، وقد تكون سعادة الإنسان غير سعادة الفرس وما إليه، فسعادة كل شيء في تمامه وكماله الذي يلائمه، وهنا يفرق بين الخير والسعادة فيرى أن الخير من حيث أنه مقصود للناس جميعاً بالشوق إليه والعمل على تحصيله طبيعة تقصد، وله مفهوم عام يدل عليه وهو الخير المطلق للناس من حيث أنهم كذلك. فالناس أجمعون محاصون فيه. لكن السعادة شيء آخر غير الخير عنده، فهي خير ما لواحد من الناس، وهي بالإضافة ليست لها ذات معينة، وهي تختلف بالإضافة إلى قاصديها اختلافاً يرجع إلى مؤهلاتهم وما ركب فيهم من فطر ومعدات، ومن أجل ذلك يكون الخير المطلق غير مختلف فيه. وقد يظن بالسعادة أن تقع لغير الناطقين، لكن ليس على نحو من أنحاء الناطقين فإنها إذا وقعت فإنما هي استعدادات فيها بقبول كمالاتها الملائمة لها من غير روية ولا تدبير، وهي بمنزلة الشوق أو ما يجري مجراه من الناطقين بالإرادة
فما يقع للحيوانات في مآكلها واستجمامها لا يمكن أن يسمى سعادة بل الوضع الصحيح له أن يسمى بختاً أو اتفاقاً، وجلى أن العقل بفطرته قد جعل للسعي والحركة والإرادة المكتسبة للإنسان حداً تنتهي إليه، فذلك كان من المعقول أن يوجد خير مطلق لا تأباه طبيعة هذا الوجود ولا يوجد بين الناس خلاف عليه، فالهمم والصناعات والتدابير الاختيارية المجدية