واختار لنكولن رجالاً للحكومة كون منهم مجلسه ومن أشهر هؤلاء نشيس، وكان من أعظمهم كفاية بعد سيوارد؛ غير أنه لوحظ على الرئيس أن أربعة من رجال مجلسه كانوا منافسين له في الرياسة مما يخشى معه أن ينسوا الصالح العام من أجل العمل على توطيد مراكزهم توطئة للانتخاب القادم، ولكن لنكولن رد على هذه المخاوف بما ارتآه من اعتبارات أملاها عليه بعد نظره، فلكل من هؤلاء شيعة وأعوان، وكل منهم يمثل ولاية من الولايات الشمالية؛ هذا إلى ما يعلمه من كفايتهم، وإنه ليركن إليهم مطمئناً إلى وطنيتهم قائلاً إن الوقت عصيب فما يظن أن أحداً تحدثه نفسه أن يعمل لصالحه الشخصي في ظروف كتلك الظروف. . .
ولما جلس لنكولن معهم حول المنضدة عرف كيف يؤلف بين قلوبهم وكيف يحملهم على احترامه ثم محبته ثم الإذعان له والتسليم بالتفوق. ولقد باتوا جميعاً يعجبون كيف يدير الأمور كما يلمسون رجل لم يعهد إليه مثل هذا العمل من قبل، ولولا أنهم يعرفونه جميعاً لما صدقوا أن هذه هي أول مرة يضطلع فيها بمثل هذا العمل
رأوه يخفض لهم جناحه ويبسط لهم مودته ويوسع صدره؛ يستمع لآرائهم جميعاً ولا يتكلم حتى ينتهوا؛ فإذا أعجبه رأي قبله مغتبطاً، وإذا خالف أحداً في رأيه أظهر له في دماثة سبب مخالفته مع شدة الحرص على احترام شخصية من يخالفه وإظهار الاستعداد للاقتناع إذا استطاع محدثه أن يزيده إيضاحاً أو يسوق له الجديد من الحجج
وعرفوا من كثب خلاله فأعجبوا بأدبه وعذوبة روحه ونقاء سريرته وطيب قلبه؛ ولمسوا شجاعته في الحق، وأنسوا نكرانه لذاته ونسيانه كل شيء عدا رسالته التي يستمد منهم العون في أدائها. . . وبلوا بأنفسهم صبره في الشدائد وعزيمته إذا همّ بأمر اقتنع بصوابه؛ وتبينوا حصافته وأناته وبعد نظره، وبهرهم فوق هذا ذهنه المصفى ومنطقه المستقيم وفصاحته وفطنته، تلك الخلال التي جعلته أقدر الناس فيهم على أن يفصح عن آرائه لمن إليه، وأن يتبين ما يأخذ مما يدع في كل ما يعرض له من الأمور مهما تعقدت والتوت على غيره الأمور. . .
ولقد عد كثير من المؤرخين إدارة لنكولن مجلسه على هذه الصورة مظهراً قوياً من مظاهر