خاص. فالآن أكمل هذا الحديث، حينما يطلع الناقد على فهم العقاد الكامل للمرأة، وخبرته بمسارب الأنوثة فيها ومطالبها لديها. وهذه لا تكون إلا حيث يكون نضوج الشخصية، وكمال التجربة، ووفرة الملاحظة
فيبدو لمن يقنعون بظواهر الأشياء أن المرأة حينما تحب تريد أن (تأخذ) من حبيبها، وتنتظر هداياه ومواهبه ومنحه، وإنما هي في الواقع - حينذاك - تتأهب لأن (تعطي) كل شيء، بل هي تتأهب لأن (تؤخذ) أخذ المشتهي المنتهب، فتحس حينذاك أنها ذات قيمة تستحق من أجلها الأخذ والحيازة!
(قال الشاعر الفرنسي (دوجيرل) لحبيبته: (لو كنت إلها لأعطيتك الأرض والهواء، وما على الأرض من بحار، ولأعطيتك الملائكة والشياطين الحانية بين يدي قدرتي وقضائي، ولأعطيتك الهيولي وما في أحشائها من رحم خصيب، بل لأعطيتك الأبد والفضاء والسماوات والعالمين - ابتغاء قبلة - واحدة)
وسئل العقاد:(وماذا تعطيني أنت لو كنت إلها؟) فقال:
أعطيك؟! كيف وما العطاء بخير ما ... تبدي القلوب من الغرام الصادق!
بل لو غدوت كما اشتهيت وأشتهي ... ربَّا وأخذتك أنت أخذ الواثق
فترين أنك حين فزت بحظوتي ... أحلى وأكمل من جميع خلائقي
وتسيطرين على الصروف وفوقها ... نبضات قلبي المستهام الوامق
إن كان رب الكون عندك قلبه ... أهون لديك بأنجم وصواعق!
وبكل شمس في السماء وضيئة ... وبكل بحر في البسيطة دافق!
ويبدو هذا الفهم في كل غزل العقاد، ولكن هذه القطعة أوضح مثال على هذا المذهب فيما بين الرجال والنساء، في الحب الناضج الطبيعي الصحيح
عنيت أن اطرق هذه النواحي في غزل العقاد، وأختار هذه الأمثلة بالذات، لأوسع الأفق أمام من يهمهم مذاهب الإحساس والتعبير، ولا سيما في الغزل الذي هو أرحب مجال للأدب النفسي الإنساني، وما من شك أن هذه آفاق جديدة لم يطرقها الشعر العربي إلا لماما، فهي ثروة تضيفها المدرسة الحديثة، لا للأدب العربي وحده، ولكن للأدب الإنساني كله. وما بقليل أن يكون لنا شاعر مصري يضيف إلى آداب الإنسانية نماذج في الذروة من هذه