بعد شهر: أنلتقي بعد شهر ... بين جيش من النواظر مَجْر!
لم يحولوا - وحقهم - بين روحينا ... وأن ألزموهما طول صبر
تمت القبلة التي تشتهيها ... كلها غير ضم ثغر لثغر
ثم منها شوق، ورفُّ شفاه ... وهوى نية، وخفقة صدر
وهكذا يحلل القبلة الواحدة إلى عناصر وأحاسيس، كل منها وحدة تكون جزءاً، ثم ينظر ما تحقق من (وحدات) القبلة، فإذا هو كل عنصر روحي فيها، فلم يبق إلا مظهرها الحسي وهو (ضم ثغر لثغر) وهذا غير ذي غناء لدى محب فنان!
ومن آثر ما يروى في هذا المجال، أبياته في (عابر سبيل) بعنوان متاع جديد، وهي فن وحدها، ولكنه ذو علاقة بمبحثنا هذا. وإنما هي امرأة في الأربعين في محياها ثنايا وغضون كما يكون في بنت الأربعين، ولكن بث الغرام أحيا قلبها، ففاض بالجمال على وجهها، وسوى غضونه وثناياه، فكانت بذلك خريفاً أحاله الغرام ربيعاً، وكانت بذلك متاعاً طريفاً لما فيه من معنى عودة الماضي، وهو المستحيل في دورة الأيام:
من جديد المتاع خريف ... تحت وهج السماء عاد ربيعا
ومحيَّا في الأربعين وديع ... تحت بث الغرام شب سريعا
نضح القلبُ بالجمال فسوَّي ... من ثنايا الغضون وجهاً بديعا
ذاك أحلى من الشباب شبابا ... ومن النفس ما يعز رجوعا
يعجبني في هذه الأبيات - أولاً - صدق ملاحظة الواقع، فالمرأة في هذه السن أشد ما تكون استجابة لوهج الغرام، وهذا أسرع ما يكون في إفاضة الحيوية عليها، حتى لتصنع المعجزات في سيماها، وكأنما تخلق خلقاً جديداً. و - ثانياً - تعبيره:(نضح القلب بالجمال) فالقلب هنا هو الذي نضح بهذه الحيوية، فتسوي ما شوهته الأيام. و - ثالثاً - استطرافه لهذا الجمال العائد المفلت من قيود الزمان بقدرة الحب الفنان. و - رابعاً - حسن استمتاعه بهذه الحالة، وهو ما سقنا لأجله هنا هذا المثال وهذه الثالثة من خصائص غزل العقاد
نضوج وفهم للأنوثة
ولقد كنت تحدثت عن مظاهر النضوج النفسي والفني في غزل العقاد، وفي (سارة) بوجه