سنة كانت ربيعا كلها ... بين روض يتغنى ويضوع
زهر ناهيك من زهر فأن ... أنبت شوكاً يكن شوك ربيع
حبذا الشوك من الحب ولا ... حبذا من غير العشب المريع
فإذا وجدنا من المحبين من يقول: سأقبل الشوك من الحب تضحية واحتمالاً، فلن تجد فيهم من يجد في طلبه ويمدحه لأنه شوك ربيع، فهو دليل حياة ونماء في هذا الحب المطلوب المرقوب وهذه - كتلك - إحدى خصائص غزل العقاد
التمتع الفني بالحب في كل حالة
وإذا كانت هذه نظرة العقاد إلى الحب، فكل حالة من حالاته إذن مقبولة ما دامت حية نامية، وهو إنما يرتقي به عن المتاع الحسي إلى المتاع الفني، في رفاهية وترف وطرافة. . . اسمعه يحدثك عن (شوق إلى ظمأٌ) والعنوان نفسه يوحي بما وراءه:
ضِني بيومك إن بدا لك، واتركي ... لي من رضاك غدا علالة طامع
ليس ابتعادك عن هواي بمبعد ... عني هواك، وليس منعك مانعي
إني لألتذ الصدى وأطيله ... شوقاً إلى برد الشراب الناقع
وقد نعرف شاعراً يصبر على البعد، ويستعيض بالذكرى والحنين، عن اللقاء والاجتماع؛ أما أن يطلب الشاعر أن تضن عليه حبيبته بيومها حين يبدو لها، لأنه يلتذ الصدى ويطيله ليلتذ برد الشراب، فهذا هو الطريف، وهو وليد الطلاقة الفنية، والثقة الهانئة!
وكذلك هو في قطعة (سحر السراب):
هذا سرابك جنة تغري ... يا فاتني بالقرب والذكر
صحراء بعدك ما خلت أبدا ... من كوثر في أفقها يجري
لكنه يغري وليس به ... ري، وعندك لجة النهر
وإذا الشراب خلت كواثره ... من مائها لم تخل من سحر
فافتن بذاك وذاك يصف لنا ... أمن المقيم ولهفة السفر
فهو مستمتع بكل حالة، وإذا فاته ري النهر، فلن يفوته سحر السراب، وهذا إنما هو فتنة الشاعر، إذا كان ذلك فتنة الإنسان، والعقاد إنسان وشاعر وكلاهما فيه متفتح يقظ ممتاز و (قبلة بغير تقبيل) ومن يستطيعها حتى يكون من دقة الحس وقوة التشخيص ما كان العقاد،