وكن كما كان كل رب ... جلَّ عن الصغو والجواب
إني أشبَّ الهيامَ عمري ... في قبلة القلب كالشهاب
فارمقه أو غض عنه لكن ... دعه على الدهر في التهاب
ولا تخل برده سلاماً ... فالنار خير من التراب
حبك أن أخلو منه يوماً ... خلوت في عالم الخراب
فهنا محب لا تقبل ضحاياه، ولكنه يريد هذا الحب مشبوباً، ولا يريده برداً ولا سلاماً إذا كان هذا السلام يطفئ شعلته ويخبئ أواره فيتركه في عالم الخراب
وهو في قطعة عنوانها (في البعد والقرب) يبدأ بالتشكي من اختلاف حال البعد والقرب من حبيبه، فيريد ألا يكون في البعد ناراً. ثم يستدرك فيطلب إليه أن يكون عذاباً كما كان نعيماً لأن الحب لا يكمل إلا حين يكون هذا وذاك:
لن يطيب البعد يوماً لن يطيبا ... هن عليٌّ اليوم إن كنت حبيباً
لا تكن ناراً من الشوق ولا ... دمعة حري ولا قلباً كئيبا
لا تكن صحراء في البعد وقد ... كنت لي في القرب بستاناً رطيبا
إن تغب شمسنا فأوص النوم بي ... قبل أن تعرض عني أو تغيبا
يا حبيبي بل فكن ما كنت لي ... صانك الله بعيداً وقريبا
وأجعل الأنس نصيبي فإذا ... غبت عني فاجعل السهد نصيبا
كن نعيماً وعذاباً، ومنى ... تملا النفس، وحرماناً مذيبا
هكذا الحب دواليك فمن ... لم يكنه لم يكن قط حبيبا
ولن يقول الإنسان هكذا إلا وهو مؤمن بالحب أشد الإيمان متقبل منه كل ما يأتي به كما يتقبل المؤمن الصوفي كل ما يأتي به الإله في خشوع ورضا واطمئنان
ولا يقف هذا الإحساس في العقاد عند هذا الحد، فقد يكون بعض الشعراء جاش في نفسه مثله، فإنما هو في قطعة ثالثة يتلهف على شوك الحب لهفته على زهره، لأن هذا الشوك دليل عنده على قوة الحب ونمائه وفورته، فحبذا هذا الشوك إذن في دلالته، ولا حبذا العشب المريع من عتيد الحب، ولو استنام له الآخرون واستروحوه واستلانوه؛ وذلك في قصيدة فريدة بعنوان (يومنا) وفيها يقول: