ويقول هذا العاجز - في هدوء وبعد تفكير وتقدير -: إن من الخير كل الخير أن توضع أمثال هذه الكتب في أيدي الطلبة لناحيتها الأخلاقية، ولو لم نفعل لخالفنا ضمائرنا وهاج علينا الذين يفهمون من أولياء الطلبة بحق
ففي فرتر ورفائيل مثال من الفضيلة تحس كل نفس الميل إليه وتود لو بلغته أو دنت منه، وفيهما أسوة حسنة للناشئة يتعظون بهما في تثقيف عقولهم، وصقل عواطفهم، وارتفاعهم عن الغرائز الدنيا. ولو كنت أستاذاً أو أباً لأغريت تلاميذي وأبنائي بأن يعرفوهما ويحبوهما، ويكلفوا بهما، ويحاولون أن يتدبروا معانيهما ويتفهموا مراميهما
يعيب الأستاذ أحمد أمين رفائيل لأنها رسائل غرام بين شاب وامرأة متزوجة قضت شرائع المجتمع أن تكون - قلبها وجسدها - لزوجها، ولزوجها وحده
ونحن من الحق علينا لنحكم لهذا الغرام أو عليه أن نتناول بالتحليل عوامله، ومثله، وآفاقه
هناك في فندق من فنادق السافوا عرف رفائيل جوليا، فكان بينهما تآلف وتعاطف، وإن امتدت بينهما أسباب هذه الصلات التي فصلت آياتها في القصة
تعارفا. فأما رفائيل فتعلق بها، وأما هي فعطفت عليه ورقت له، ولمحت فيه مواهب النبوغ والعبقرية تومض وميض الفتنة في الزهرة الأرجة في فتوة مشبوبة القلب، بعيدة الأفق، طاهرة الذيل، جذابة الطوابع، فأعجبت به، واطمأنت إليه واستعانت به على الوحدة، والمرض، وآلام النفس
من هنا كان بينهما هذا اللون المعقد من الصلات العاطفية:
لا هو بالحب وحده، ولا هو بالصداقة وحدها، وإنما هو مزيج من هذا وذاك، فيه من الصداقة أكثر مما فيه من الحب، ومن الإعجاب فوق ما فيه من الرغبة
ولم تذهب هذه الصلات النقية بما لزوج جوليا في قلبها من مكان وحرمة. فلقد كانت تحفظ في أعماق نفسها وأحرج مواقفها العرفان الخالص لجميل هذا الزوج الذي يحبها، ويعطف عليها، ويأسى لها
لقد أخطأت في خطوتها الأولى، ولكن أي زهر فوَّح هذا الذي كان يتفتق على آثار الخطوات التالية؟
وأي حب كان حب رفائيل؟ إنه تذوق الذوق الفني الجميل للجمال الفني يتجلى - في أبرع