على بقايا العصبية الدينية والجنسية في نفوس الفرس. هذا في بلاد الفرس، وأما أثره في سياسة الدولة وفي حاضرة الإسلام بغداد فقد كان للفرس الرجحان على العرب عند الخلفاء منذ قيام الدولة، وقد بلغ الأمر غايته حين تنازع الأمين والمأمون فكان المأمون في مرو من أقصى خراسان أشبه بخليفة فارسي وقد أعانه الفرس على حرب أخيه الذي كان يعتز بالعرب. وروي أن أول شعر فارسي نظم في مدح المأمون كان إذ ذاك. فلما غلب المأمون تمت الغلبة للفرس، ثم استمروا مسيطرين على الخلفاء حتى أديل منهم لأتراك المعتصم؛ حتى إذا قامت الدولة الفارسية ملك بنو بويه بغداد إلى أن كان طور السلطان التركي فأديل منهم للسلاجقة.
ساس الفرس الدولة على قواعد الساسانيين، وقلد الخلفاء وغيرهم الفرس في ملابسهم ومساكنهم وطعامهم وشرابهم؛ أم ر الخليفة المنصور أن تلبس القلنسوة الفارسية، وأتخذ هو ومن بعده الحلل المذهبة على الأساليب الفارسية، وقد أبقى الزمن من نقود الخليفة المتوكل ما يظهر هذا الخليفة في مظهر فارسي كامل. ومن الكلمات الجامعة في هذا ما قاله المتوكل حين أراد إصلاح السنة المالية ورد النيروز إلى مكانه من العام فأحضر الموبذ ليستعين به، فقال الخليفة. قد كثر الخوض في ذلك ولست أتعدى رسوم الفرس. وسأله رأيه في الإصلاح.